للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَرْتَبَتِهِما. والثانى، تَقْديمُ الابْنِ؛ لوُجُوبِ نفَقَتِه بالنصِّ. والثالث، تَقْديمُ الأبِ، لتأكُّدِ حُرْمَتِه. وإن اجتمَعَ أبوان، ففيهما الوُجُوهُ الثلاثةُ؛ أحدها، التَّسْوِيَةُ؛ لما ذكرْنا. والثانى، تَقْديمُ الأُمِّ؛ لأنَّها أحَقُّ بالبِرِّ، ولها فَضِيلةُ الْحَملِ والرَّضاعِ والتَّرْبيَةِ، وزيادةِ الشَّفَقةِ، وهى أضْعَفُ وأعْجَزُ. والثالثُ، تَقْديمُ الأبِ، لفضيلَتِه، وانْفِرادِه بالوِلايةِ على ولَدِه، واسْتِحقاقِ الأخْذِ من مالِه، وإضافةِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الوَلدَ ومالَه إليه بقَوْلِه: "أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ" (١٩). والأوَّلُ أوْلَى. وإن اجْتَمَعَ جَدٌّ وأخٌ، احْتَمَلَ التَّسْوِيةَ بينهما؛ لِاسْتِوائِهِما في اسْتِحْقاقِ مِيراثِه، والصَّحِيحُ أنَّ الجَدَّ أحَقُّ؛ لأنَّ به مَزِيَّةَ الوِلادةِ والأُبُوَّةِ، ولأنَّ ابنَ ابنِه يَرِثُه مِيراثَ ابْنٍ، ويَرِثُ الأخُ مِيراثَ أخٍ، وميراثُ الابْنِ آكَدُ، فالنَّفقةُ الواجبةُ به تكونُ آكدَ. وإن كان مَكانَ الأخِ ابنُ أخٍ أو عَمٌّ، فالْجَدُّ أَوْلَى بكلِّ حالٍ.

فصل: والواجبُ في نفَقةِ القريبِ قَدْرُ الكِفَايةِ من الخُبْزِ والأُدْمِ والكُسْوَةِ، بقَدْرِ العادةِ، على ما ذكرْناه في الزَّوْجةِ، لأنَّها وجَبَتْ للحاجةِ، فتقَدَّرَتْ بما تَنْدَفِعُ به الحاجةُ، وقد قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لهِنْدٍ: "خُذِى مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ" (٢٠). فقَدَّرَ نفقَتَها ونفقةَ وَلَدِها بالكِفَايةِ. فإن احْتاجَ إلى خادِمٍ فعليه إخْدامُه، كما قُلْنا في الزَّوجةِ؛ لأنَّ ذلك من تَمامِ كِفايَتِه.

١٣٨٦ - مسألة؛ قال: (وَعَلَى الْمُعْتِقِ نَفَقةُ مُعْتَقِهِ، إذَا كَانَ فَقِيرًا؛ لأنَّه وَارِثُهُ)

هذا مبنيٌّ على الأصلِ الذي تقَدَّمَ، وأنَّ النَّفقةَ تجبُ على الوارثِ، والمُعْتِقُ وارثُ عَتِيقِه، فتَجِبُ عليه نفقَتُه إذا كان فقيرًا، ولمَوْلاه يَسارٌ يُنْفِقُ عليه منه. وقال مالك، والشافعيُّ، وأصْحاب الرَّأْيِ: لا تجبُ عليه نَفقتُه، بِناءً على أصُولِهم التي ذكَرْناها.


(١٩) تقدم تخريجه، في: ٤/ ٣٠٩.
(٢٠) تقدم تخريجه في صفحة ٣٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>