فضُرِبُوا. وقولُ عمرَ: يا سَلْحَ العُقابِ. معناه أنَّه يُشْبِهُ سَلْحَ العُقابِ، الذي يَحْرِقُ كُلَّ شيءٍ أصابَه، وكذلك هذا، تُوقَعُ العُقوبةُ بأحَدِ الفَرِيقَيْن لا مَحَالةَ، إن كَمَلَتْ شهادتُه حُدَّ المشْهودُ عليه، وإن لم تَكْمُلْ، حُدَّ أصحابُه. فإن قِيلَ: فقد خالفَهم أبو بَكْرةَ وأصحابُه الذين شَهِدُوا. قُلْنا: لم يُخالِفُوا في وُجُوبِ الحَدِّ عليهم، إنَّما خالَفُوهم في صِحَّةِ ما شَهِدُوا به، ولأنَّه رَامٍ بالزِّنَى لم يَأْتِ بأربعةِ شُهَدَاءَ، فيجبُ عليه الحَدُّ، كما لو لم يَأْتِ بأحَدٍ.
فصل: وإن كَمَلُوا أربعةً غيرَ مَرْضِيِّينَ، أو واحدٌ منهم، كالعَبِيدِ والفُسَّاقِ والعُمْيانِ، ففيهم ثلاثُ رِوَايات؛ إحْداهُنَّ، عليهم الحَدُّ. وهو قولُ مالِكٍ. قال القاضي: هذا الصَّحِيحُ؛ لأنَّها شهادةٌ لم تَكْمُلْ، فوجبَ الحَدُّ على الشُّهودِ، كما لو كانوا ثلاثةً. والثانية، لا حَدَّ عليهم. وهو قولُ الحسنِ، والشَّعْبِىّ، وأبى حنيفةَ، ومحمد؛ لأنَّ هؤلاءِ قد جاءوا بأربعةِ شُهَدَاءَ، فدخلُوا في عُمُومِ الآيةِ، ولأنَّ عددَهم قد كَمَلَ، ورَدُّ الشهادةِ لمعنًى غيرِ تَفْريطِهم، فأشْبَهَ ما لو شَهِدَ أربعةٌ مَسْتُورون، ولم تَثْبُتْ عَدالتُهم ولا فِسْقُهم. الثالثة، إن كانوا عُمْيانًا أو بعضُهم، جلِدُوا، وإن كانُوا عبِيدًا أو فُسَّاقًا، فلا حَدَّ عليهم. وهو قولُ الثَّوْرِىِّ، وإسحاقَ؛ لأنَّ العُمْيانَ معلومٌ كَذِبُهم، لأنَّهم شَهِدُوا بما لم يَرَوْهُ يَقِينًا، والآخرون يَجوزُ صِدْقُهم، وقد كَمَلَ عَدَدُهم، فَأَشْبَهُوا مَسْتُورِى الحالِ. وقال أصحابُ الشَّافِعِىّ: إن كان رَدُّ الشهادةِ لمعنًى ظاهرٍ، كالعَمَى، والرِّقِّ، والفِسْقِ الظاهِرِ، ففيهم قَوْلان، وإن كان لمعنًى خَفِىٍّ، فلا حَدَّ عليهم؛ لأنَّ ما يَخْفَى يَخْفَى على الشُّهُودِ، فلا يكونُ ذلك تَفْرِيطًا منهم، بخلافِ ما يَظْهَرُ. وإن شَهِدَ ثلاثةُ رجالٍ وامرأتان، حُدُّ الجميعُ؛ لأنَّ شهادةَ النِّساءِ في هذا البابِ كعَدَمِها. وبهذا قال الثَّوْرِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وهذا يُقَوِّى روايةَ إيجابِ الحَدِّ على الأوَّلِينَ، ويُنَبِّهُ على إيجابِ الحَدِّ فيما إذا كانُوا عُميانًا أو أحدَهم؛ لأنَّ المرأَتَيْن يَحْتَمِلُ صِدْقُهما، وهما من أهلِ الشَّهادةِ في الجُمْلةِ، والأَعْمَى كاذِبٌ يقِينًا، وليس من أهلِ الشهادةِ على الأفْعالِ، فوُجوبُ الحَدِّ عليهم وعلى مَن معهم أَوْلَى.