للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معاويةَ، عَمِّ الأحْنَفِ بنِ قَيْسٍ، إذ جاءَنا كتابُ عمرَ قبلَ مَوْتِه بسَنَةٍ: اقتُلُوا كلَّ ساحرٍ. فقَتلْنَا ثلاث سَواحِرَ في يومٍ، وهذا اشْتُهِرَ فلم يُنْكَرْ، فكان إجماعًا، وقتلَتْ حفصةُ جاريةً لها سَحَرَتْها (٣٣). وقتلَ جُنْدَبُ بنُ كعبٍ ساحِرًا كان يَسْحَرُ بين يَدَىِ الولِيدِ بن عُقْبَةَ (٣٤). ولأنَّه كَافِرٌ فيُقْتَلُ؛ للخبرِ الذي رَوَوْه.

فصل: وهل يُسْتَتابُ السَّاحرُ؟ فيه روَايتان؛ إحدَاهُما، لا يُسْتَتَابُ. وهو ظاهِرُ ما نُقِلَ عن الصحابةِ، فإنَّه لم يُنْقَلْ عن أحدٍ منهم أنَّه اسْتتابَ ساحرًا، وفى الحديثِ الذي رواه هشام بن عُرْوَةَ، عن أبيه، عن عائشةَ، أنَّ الساحِرَةَ سألَتْ أصحابَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-, وهم مُتَوافِرُونَ، هل لها من تَوْبةٍ؟ فما أفْتاها أحدٌ. ولأنَّ السِحْرَ معنًى في قلبهِ، لا يزولُ بالتَّوْبَةِ، فيُشْبِهُ من لم يَتُبْ. والرِّوَايَةُ الثانيةُ، يُسْتَتَابُ، فإن تابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُه؛ لأنَّه ليس بأعظمَ من الشِّرْكِ، والمُشْرِكُ يُسْتَتَابُ، ومَعْرِفَتُه السِّحِرَ لا تَمْنَعُ قبولَ تَوْبتِه، فإنَّ اللَّه تعالى قَبِلَ تَوْبَة سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ، وجعلَهم من أوْليائِه في ساعةٍ، ولأنَّ السَّاحِرَ لو كان كافِرًا فأسْلَمَ صَحَّ إسْلَامُه وتَوْبَتُه، فإذا صَحَّتِ التَّوْبَةُ منهما، صَحَّتْ من أحدِهما، كالكُفْرِ، ولأنَّ الكُفْرَ والقتلَ إنَّما هو بعمَلِه بالسِّحْرِ، لا بعِلْمِه، بدليلِ السَّاحِرِ إذا أسْلَم، والعملُ به يُمْكنُ التَّوْبَةُ منه، وكذلك اعتقادُ ما يَكْفُرُ باعْتقادهِ، يُمْكِنُ التَّوْبةُ منه، كالشِّرْكِ، وهاتان الرِّوايتان في ثُبوتِ حُكْمِ التَّوْبَةِ في الدُّنْيا، من سُقُوطِ القتلِ ونحوِه، فأمَّا فيما بينَه وبينَ اللَّه تعالى، وسُقوطِ عُقوبةِ الدارِ الآخِرَةِ عنه، فتَصِحُّ، فإنَّ اللَّه تعالى لم يَسُدَّ بابَ التَّوْبةِ عن أَحدٍ من خَلْقِه، ومن تابَ إلى اللهِ قَبِلَ (٣٥) تَوْبَتَه، لا نعلمُ في هذا خلافًا.


= المصنف ١٠/ ١٧٩، ١٨٠، ١٨١. وابن أبي شيبة، في: باب ما قالوا في الساحر. . ., من كتاب الحدود. المصنف ١٠/ ١٣٦.
(٣٣) تقدم تخريجه في صفحة ٢٧٢.
(٣٤) أخرجه البيهقي، في: باب تكفير الساحر وقتله، من كتاب القسامة. السنن الكبرى ٨/ ١٣٦. وعبد الرزاق، في: باب قتل الساحر، من كتاب اللقطة. المصنف ١٠/ ١٨٢.
(٣٥) بعد هذا في الأصل جاء لفظ الجلالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>