للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: إذا وَكَّلَ رَجُلًا في الخُصُومةِ، لم يُقْبَلْ إقْرَارُه على مُوَكِّلِه بِقَبْضِ الحَقِّ (١٥) ولا غيرِه. وبه قال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وابنُ أبي لَيْلَى. وقال أبو حنيفةَ ومحمدٌ: يُقْبَلُ إقْرَارُه في مَجْلِسِ الحُكْمِ، فيما عدا الحُدُودَ والقِصَاصَ. وقال أبو يوسُفَ: يُقْبَلُ إقْرَارُه في مَجْلِسِ الحُكْمِ وغيره؛ لأنَّ (١٦) الإِقْرارَ أحَدُ جَوَابَىِ الدَّعْوَى، فصَحَّ من الوَكِيلِ، كالإِنْكارِ. ولَنا، أنَّ الإِقْرارَ مَعْنًى يَقْطَعُ الخُصُومةَ [ويُنَافِيهَا، فلا يَمْلِكُه الوَكِيلُ فيها، كالإِبْراءِ. وفارَقَ الإِنْكارَ؛ فإنَّه لا يَقْطَعُ الخُصُومَةَ] (١٧)، ويَمْلِكُه في الحُدُودِ والقِصَاصِ، وفى غير مَجْلِسِ الحاكِمِ. ولأنَّ الوَكِيلَ لا يَمْلِكُ الإِنْكارَ على وَجْهٍ يَمْنَعُ المُوَكِّلَ من الإِقْرارِ، فلو مَلَكَ الإِقْرَارَ، لَامْتَنَعَ على المُوَكِّلِ الإِنْكارُ، فَافْتَرَقَا، ولا يَمْلِكُ المُصَالَحةَ عن الحَقِّ، ولا الإِبْرَاءَ منه، بغيرِ خِلَافٍ نَعْلَمُه؛ لأنَّ الإِذْنَ في الخُصُومةِ لا يَقْتَضِى شيئًا من ذلك. وإن أَذِنَ له في تَثْبِيتِ حَقٍّ، لم يَمْلِكْ قَبْضَهُ. وبه قال الشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يَمْلِكُ قَبْضَه؛ لأنَّ المَقْصُودَ من التَّثْبِيتِ قَبْضُه وتَحْصِيلُه. ولَنا، أن القَبْضَ لا يَتَنَاوَلُه الإِذْنُ نُطْقًا ولا عُرْفًا، إذْ ليس كلُّ من يَرْضَاهُ لِتَثْبِيتِ الحَقِّ يَرْضَاهُ لِقَبْضِه. وإن وَكَّلَهُ في قَبْضِ حَقٍّ، فجَحَدَ مَن عليه الحَقُّ، كان وَكِيلًا في تَثْبِيتِه عليه، في أحدِ الوَجْهَيْنِ. [وبه قال أبو حنيفةَ. والآخَر: ليس له ذلك. وهو أحدُ الوَجْهَيْنِ] (١٧) لأَصْحابِ الشّافِعِىِّ؛ لأنَّهما مَعْنَيانِ مُخْتَلِفانِ، فالوَكِيلُ في أحَدِهما لا يكونُ وَكِيلًا في الآخَرِ، كما لا يكونُ وَكِيلًا في القَبْضِ بالتَّوْكِيلِ في الخُصُومَةِ. ووَجْهُ الأَوَّلِ، أنَّه لا يَتَوَصَّلُ إلى القَبْضِ إلَّا بالتَّثْبِيتِ؛ فكان إِذْنًا فيه عُرْفًا، ولأنَّ القَبْضَ لا يَتِمُّ إلَّا به، فمَلَكَهُ، كما لو وكَّلَ في شِرَاءِ شيءٍ مَلَكَ وَزْنَ ثَمَنِه، أو في بَيْعِ شيءٍ مَلَكَ تَسْلِيمَهُ. ويَحْتَمِلُ أنَّه إن كان المُوَكِّلُ عالِمًا بِجَحْدِ مَن عليه الحَقُّ أو مَطْلِهِ، كان تَوْكِيلًا في تَثْبِيتِه


(١٥) سقط من: ب.
(١٦) في ب، م: "ولأن".
(١٧) سقط من: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>