للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفَارَقَ ما إذا سَلَّمَ المَكْفُولُ به نَفْسَهُ؛ لأنَّه أَصْلٌ لهما، فإذا بَرِئَ الأَصْلُ ممَّا تَكَفَّلَ به عنه، بَرِئَ فَرْعَاهُ، وكل واحدٍ من الكَفِيلَيْنِ ليس بِفَرْعٍ للآخَرِ، فلم يَبْرَأْ بِبَرَاءَتِه. ولذلك لو أبْرَأَ (٣١) المَكْفُولَ به بَرِئَ (٣٢) كَفِيلَاه. ولو أُبْرِئَ أحدُ الكَفِيلَيْنِ بَرِئَ وَحْدَه، دُونَ صَاحِبِه.

فصل: ولو تَكَفَّلَ (٣٣) واحدٌ لِاثْنَيْنِ، فأَبْرَأهُ أحَدُهما، أو أحْضَرَهُ عندَ أحَدِهما، لم يَبْرَأْ من الآخَرِ؛ لأنَّ عَقْدَ الواحِدِ مع الاثْنَيْنِ بِمَنْزِلَةِ العَقْدَيْنِ، فقد الْتَزَمَ إحْضَارَه عندَ كلِّ واحِدٍ منهما، فإذا أحْضَرَهُ عند أحَدِهما (٣٤)، بَرِئَ منه، وبَقِى حَقُّ الآخَرِ (٣٥)، كما لو كان في عَقْدَيْنِ، وكما لو ضَمِنَ دَيْنًا لِرَجُلَيْنِ، فَوَفَّى أحَدُهما حَقَّهُ.

فصل: وتَفْتَقِرُ صِحَّةُ الكَفالةِ إلى رِضَى الكَفِيلِ؛ لأنَّه لا يلْزَمُهُ الحَقُّ ابْتِدَاءً إلَّا (٣٦) بِرِضَاهُ، ولا يُعْتَبَرُ رِضَى المَكْفُولِ له؛ لأنَّها وَثِيقَةٌ له لا قَبْضَ فيها، فصَحَّتْ من غيرِ رِضَاهُ، كالشَّهَادَةِ، ولأنَّها الْتِزَامُ حَقٍّ له من غير عِوَضٍ، فلم يُعْتَبَرْ رِضَاهُ فيها، كالنَّذْرِ، فأمَّا رِضَى المَكْفُولِ له ففيه وَجْهانِ؛ أحدُهما، لا يُعْتَبَرُ، كالضَّمانِ. والثانى، يُعْتَبَرُ. وهو مذهبُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ مَقْصُودَها إحْضَارُه، فإذا (٣٧) تَكَفَّلَ بغيرِ إذْنِه، لم يَلْزَمْهُ الحُضُورُ معه، ولأنَّه يَجْعَلُ لِنَفْسِه حَقًّا عليه، وهو الحُضُورُ معه من غيرِ رِضَاهُ، فلم يَجُزْ، كما لو ألْزَمَهُ الدَّيْنَ، وفَارَقَ الضَّمَانَ، فإنَّ الضَّامِنَ يَقْضِى الحَقَّ، ولا يَحْتَاجُ إلى المَضْمُونِ عنه. وعلى كلا الوَجْهَيْنِ، متى كانت الكَفَالَةُ بإِذْنِه، فأرَادَ الكَفِيلُ إحْضَارَه، لَزِمَهُ الحُضُورُ معه؛ لأنَّه شَغَلَ ذِمَّتَهُ من أجْلِه بإِذْنِه، فكان عليه تَخْلِيصُها،


(٣١) في أ، ب، م: "أبرئ".
(٣٢) سقط من: م.
(٣٣) في ب: "كفل".
(٣٤) في م: "واحد".
(٣٥) في الأصل، أ، م: "لآخر".
(٣٦) سقط من: ب، م.
(٣٧) في م: "وإن".

<<  <  ج: ص:  >  >>