للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأَكْلٍ ولا لغيرِه. وقال أبو عبدِ اللهِ بن حامِدٍ: يجوزُ أَنْ يَأْكُلَ اليَسِيرَ فى بَيْتِه، كاللُّقْمَةِ واللُّقْمَتَيْنِ، فأمَّا جَمِيعُ أكْلِه فلا. وقال القاضى: يَتَوَجَّهُ أنَّ له الأَكْلَ فى بَيْتِه، والخُرُوجَ إليه ابْتِدَاءً؛ لأنَّ الأَكْلَ فى المسجدِ دَنَاءَةٌ وَتَرْكٌ لِلْمُرُوءَةِ، وقد يُخْفِى جِنْسَ قُوتِه على النَّاسِ، وقد يكونُ فى المسجدِ غيرُه فيَسْتَحِى أن يَأْكُلَ دُونَه، وإن أَطْعَمَهُ معه لم يَكْفِهما. ولَنَا، أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لا يَدْخُلُ البَيْتَ إلَّا لِحاجَةِ الإِنْسانِ، وهذا كِنَايَة عن الحَدَثِ، ولأنَّه خُرُوجٌ لما له منه بُدٌّ، أو لُبْثٌ فى غير مُعْتَكَفِه لما له منه بُدٌّ، فأَبْطَلَ الاعْتِكافَ، كمُحادَثَةِ أهْلِه، وما ذَكَره القاضى ليس بِعُذْرٍ يُبِيحُ الإِقامَةَ ولا الخُرُوجَ، ولو ساغَ ذلك لَساغَ الخُرُوجُ لِلنَّوْمِ وأشْباهِه.

فصل: وإن خَرَجَ لِحاجَةِ الإِنْسانِ، وبِقُرْبِ المسجدِ سِقَايَةٌ أقْرَبُ من مَنْزِلِه لا يَحْتَشِمُ من دُخُولِها (٤)، ويُمْكِنُه التَّنَظُّفُ فيها، لم يَكُنْ له المُضِىُّ إلى مَنْزِلِه، لأنَّ له من ذلك بُدٌّ. وإن كان يَحْتَشِمُ من دُخُولِها، أو فيه نَقِيصَةٌ عليه، أو مُخالَفَةٌ لِعادَتِه، أو لا يُمْكِنُه التَّنَظُّفُ فيها، فله [أن يَمْضِىَ] (٥) إلى مَنْزِلِه؛ لما عليه من المَشَقَّةِ فى تَرْكِ المُرُوءَةِ. وكذلك إن كان له مَنْزِلانِ أحَدُهما أَقْرَبُ من الآخَرِ، يُمْكِنُه الوُضُوءُ فى الأَقْرَبِ بلَا ضَرَرٍ، فليس له المُضِىُّ إلى الأَبْعَدِ. وإن بَذَلَ له صَدِيقُه أو غيرُه الوُضُوءَ فى مَنْزِلِه القَرِيبِ، لم يَلْزَمْهُ؛ لما عليه من المَشَقَّةِ بِتَرْكِ المُرُوءَةِ والاحْتِشَامِ من صاحِبِه. قال المَرُّوذِىُّ: سألتُ أبا عبدِ اللهِ، عن الاعْتِكافِ فى المسجدِ الكَبِيرِ أعْجَبُ إليك أو مسجدِ الحَىِّ؟ قال: المَسْجِدُ الكَبِيرُ. وأرْخَصَ لى أن أعْتَكِفَ فى غَيْرِه. قلتُ: فأيْنَ تَرَى أن أعْتَكِفَ فى هذا الجَانِبِ، أو فى ذاك الجَانِبِ؟ قال: فى ذاكَ الجَانِبِ هو أصْلَحُ من أجْلِ السِّقايَةِ. قلتُ: فمَن اعْتَكَفَ فى هذا الجَانِبِ تَرَى أن يَخْرُجَ إلى الشَّطِّ يَتَهَيَّأُ؟


(٤) من هنا إلى قوله: "من دخولها" الآتى سقط من: أ. نقلة نظر.
(٥) فى الأصل، أ: "المضى".

<<  <  ج: ص:  >  >>