للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُبَاحةً، فأشْبَهَتِ الحَلْىَ، وفارَقَتِ (٢١) الشَّمْعَ؛ فإنَّه لا يُنْتَفَعُ به إلَّا بما تَتْلَفُ (٢٢) عَيْنُه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه إن ذَكَرَ ما يَسْتَأْجِرُه له، وعَيَّنَه، فحَسَنٌ، وإن أطْلَقَ الإِجارَةَ، فقال أبو الخَطَّابِ: تَصِحُّ الإِجَارةُ، ويَنْتَفِعُ بها فيما شاءَ منهما؛ لأنَّ مَنْفَعَتَهما في الإِجَارةِ مُتَعَيِّنَةٌ في التَّحَلِّي والوَزْنِ، وهما مُتَقَارِبَانِ، فوَجَبَ أن تُحْمَلَ الإِجَارَةُ عندَ الإِطْلاقِ عليهما، كاسْتِئْجارِ الدَّارِ مُطْلَقًا، فإنَّه يَتَنَاوَلُ السُّكْنَى، وَوَضْعَ المتَاعِ فيها. وقال القاضي: لا تَصِحُّ الإِجَارةُ، وتكونُ قَرْضًا. وهذا مذهبُ أبى حَنِيفةَ؛ لأنَّ الإِجَارةَ تَقْتَضِى الانْتِفاعَ، والانْتِفاعُ المُعْتادُ بالدَّرَاهِمِ والدَّنَانِيرِ إنَّما هو بأَعْيانِها، فإذا أُطْلِقَ الانْتِفَاعُ، حُمِلَ على الانْتِفاعِ المُعْتادِ. وقال أصْحابُ الشافِعِيِّ: لا تَصِحُّ الإِجَارةُ، ولا تكونُ قَرْضًا؛ لأنَّ التَّحَلِّى يَنْقُصُها، والوَزْنَ لا يَنْقُصُها، فقد اخْتَلَفَتْ جِهَةُ الانْتِفاعِ، فلم يَجُزْ إطْلَاقُها. ولا يجوزُ أن يُعَبَّرَ بها عن القَرْضِ؛ لأنَّ القَرْضَ تَمْلِيكٌ للغيرِ، والإِجَارَةُ تَقْتَضِي الانْتِفاعَ مع بَقَاءِ العَيْنِ، فلم يَجُزِ التَّعْبِيرُ بأحَدِهِما عن الآخَر. ولأنَّ التَّسْمِيةَ والألْفاظَ تُؤْخَذُ نَقْلًا، ولم يُعْهَدْ في اللِّسَانِ التَّعْبِيرُ بالإِجَارَةِ عن القَرْضِ. وقولُ أبى الخَطّابِ أصَحُّ، إن شاءَ اللَّه تعالى؛ لأنَّ العَقْدَ متى أمْكَنَ حَمْلُه على الصِّحَّةِ، كان أَوْلَى من إفْسَادِه، وقد أمْكَنَ حَمْلُه على إجَارَتِها لِلْجِهَةِ التي تَجُوزُ إجَارَتُها فيها. وقولُ القاضِى لا يَصِحُّ؛ لأنَّ الإِجَارةَ إنَّما تَقْتَضِى انْتِفَاعًا مع بَقَاءِ العَيْنِ، فلا تُحْمَلُ على غير ذلك. وما ذَكَرَ الآخَرُونَ من نَقْصِ العَيْنِ بالاسْتِعْمالِ في التَّحَلِّي فبَعِيدٌ؛ فإنَّ ذلك يَسِيرٌ لا أثَرَ له، فوُجُودُه كعَدَمِه.

فصل: ويجوزُ أن يَسْتَأْجِرَ شَجَرًا ونَخِيلًا، ليُجَفِّفَ عليها الثِّيابَ، أو يَبْسُطَها عليها لِيَسْتَظِّلَ بِظِلِّها، ولأصْحابِ الشافِعِيِّ في ذلك وَجْهانِ؛ لما ذَكَرُوه في الأَثْمانِ. ولَنا، أنَّها لو كانت مَقْطُوعةً، لجازَ اسْتِئْجارُها لذلك، فكذلك إذا كانت ثابِتَةً؛ وذلك لأنَّ الانْتِفاعَ يَحْصُلُ بهما على السَّوَاء في الحالَتَيْنِ، فما جازَ في إحْدَاهما يجوزُ في الأُخْرَى،


(٢١) في ب، م: "وفارق".
(٢٢) في ب، م: "أتلف".

<<  <  ج: ص:  >  >>