للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باقِى الدِّيَةِ في أمْوالِ شُرَكائِه حالًّا؛ لأنَّ التَّأْجيلَ في الدِّيَاتِ إنَّما يكونُ فيما تَحْمِلُه العاقلةُ، وهذا لا تَحْمِلُه العاقلةُ؛ لأنَّها لا تَحْمِلُ ما دُونَ الثُّلثِ، والقدرُ اللَّازمُ لكل واحدٍ دُونَ الثُّلثِ. وذكَرَ أبو بكرٍ فيها روايةً أُخْرَى، أنَّ العاقِلَة تَحْمِلُها؛ لأنَّ الجِنايةَ فِعْلٌ واحدٌ، أَوْجَبَ دِيةً تَزِيدُ على الثُّلثِ. والصحيحُ (٢) الأوَّلُ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم يَخْتَصُّ بمُوجَبِ فِعْلِه دُونَ فِعْلِ شُرَكائِه، وحَمْلُ العاقلةِ إنَّما شُرِعَ للتَّخْفِيفِ عن الجانِى فيما يَشُقُّ ويَثْقُلُ، وما دُونَ الثُّلثِ يَسِيرٌ، على ما أسْلَفْناه، والذي يَلْزَمُ كلَّ واحدٍ أقَلُّ من الثُّلثِ. وأمَّا قولُه: إنَّه فِعْلٌ واحدٌ. قُلْنا: بل هي أفْعالٌ؛ فإنَّ (٣) فِعْلَ كلِّ واحدٍ غيرُ فِعْلِ الآخَرِ، وإنَّما مُوجِبُ الجميعِ واحدٌ، فأشْبَهَ ما لو جَرَحَه كلُّ واحدٍ جُرْحًا فَاتَتِ النَّفْسُ بجَمِيعِها. إذا ثَبَتَ هذا، فالضمانُ يتَعَلَّقُ بمَنْ مَدَّ الحِبالَ، ورَمَى الحَجَرَ، دُونَ مَنْ وَضَعَه في الكَفَّةِ، وأمْسَكَ الخَشَبَ (٤)، اعْتبارًا بالمُبَاشِرِ. كمَن وضَعَ سَهْمًا في قَوْسِ رَجُلٍ، ورَمَاهُ صاحِبُ القَوْسِ، فالضَّمانُ على الرَّامِى دُونَ الواضِعِ.

فصل: إذا سَقَطَ رَجُلٌ في بِئْرٍ، فسَقَطَ عليه آخَرُ فقَتَلَه، فعليه ضَمانُه؛ لأنَّه قَتَلَه فضَمِنَه، كما لو رَمَىَ عليه حَجَرًا، ثم يُنْظَر؛ فإن كان عَمَدَ رَمْىَ نَفْسِه عليه، وهو ممَّا يَقْتُلُ غالبًا، فعليه القِصاصُ، وإن كان ممَّا لا يَقْتُلُ غالِبًا، فهو شِبْهُ عَمْدٍ، وإن وَقَعَ خطأً، فالدِّيَةُ على عاقِلَتِه مُخَفَّفةً. وإن مات الثاني بوُقُوعِه على الأوَّلِ، فدَمُه هَدْرٌ؛ لأنَّه مات بفِعْلِه. وقد رَوَى علىُّ بن رَباحٍ اللَّخْمِىُّ، أنَّ رَجُلًا كان يَقُودُ أَعْمَى، فوَقَعَا (٥) في بِئْرٍ؛ خَرَّ البَصِيرُ، ووَقَعَ الأَعْمَى فوقَ (٦) البَصِيرِ، فقَتَلَه، فقَضَى عمرُ بعَقْلِ البَصِيرِ


(٢) في م زيادة: "هو".
(٣) في م: "لأن".
(٤) في م: "الخشبة".
(٥) في م: "فوقع".
(٦) في الأصل، م: "فوقع".

<<  <  ج: ص:  >  >>