للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللهِ تعالى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (٤). ولأنَّ في رَدِّها إليهم تَعْرِيضًا لها للرُّجُوعِ عن الإِسْلامِ، واسْتِحْلالِ ما لا يَحِلُّ منها. وإنْ كان الصَّبِىُّ غيرَ مَحْكومٍ، بإسْلامِه، كالذى سُبِىَ مع أبَويْه، لم يجُزْ فِداؤُه بمالٍ. وهل يجوزُ فِداؤُه بمسلمٍ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْن.

فصل: ولم يُجَوِّزْ أحمدُ بَيْعَ شيءٍ من رَقِيقِ (٥) المسلمين لكافرٍ، سَواءٌ كان الرَّقيقُ مسلمًا أو كافرًا. وهذا قولُ الحَسَن. قال أحمد: ليس لأهلِ الذِّمَّةِ أنْ يشْترُوا ممَّا سَبَى المسلمون شيئًا. قال: كتب عمرُ بن الخطَّابِ يَنْهَى عنه أُمَراءَ الأمْصارِ. هكذا حكَى أهلُ الشامِ، وليس له إسنادٌ. وجوَّزَ أبو حنيفة والشافِعىُّ ذلك؛ لأنَّه لا يُمْنَعُ من إثْباتِ يَدِه عليه، فلا يُمْنَعُ من ابْتدائِه، كالمُسْلِمِ. ولَنا، قولُ عمرَ، ولم يُنْكَرْ فيكونُ إجماعًا، ولأنَّ فيه تَفْوِيتًا للإِسلامِ الذي يظْهَرُ وُجودُه، فإنَّه إذا بَقِىَ رَقِيقًا للمسلمين الظَّاهرُ إسْلامُه، فيَفُوتُ ذلك بِبَيْعِه لكافرٍ، بخلافِ ما إذا كان رَقِيقًا لكافرٍ في ابْتدائِه، فإنَّه لم يثْبُتْ له هذه الغَرَضِيَّة، والدَّوامُ يُخالِفُ الابْتداءَ لقُوَّتِه.

فصل: ومن أَسَرَ أسيرًا، لم يكُنْ له قَتْلُه حتى يأتِىَ به الإِمامَ، فيرَى فيه رَأْيَه؛ لأنَّه إذا صارَ أسيرًا، فالْخِيَرَةُ فيه إلى الإِمامِ. وقد رُوِىَ عن أحمدَ كلامٌ يدُلُّ على إباحَةِ قَتْلِه، فإنَّه قال: لا يقتلُ أسِيرَ (٦) غيرِه إلَّا أنْ يشاءَ الوالى. فمفهومُه أنَّ له قَتْلَ أسِيرِه بغيرِ إذنِ الوالى؛ لأنَّ له أنْ يقتُلَه ابْتداءً، فكان له قتْلُه دَوامًا، كما لو هَربَ منه أو قاتَلَه. فإن امتَنَعَ الأسيرُ أنْ ينْقادَ معه، فله إكْراهُه بالضَّرْبِ وغيرِه، فإنْ لم يمْكِنْه إكْراهُه، فله قَتْلُه. وإنْ خافَه، أو خافَ هرَبَهُ، فله قَتْلُه أيضًا. وإن امْتَنَعَ من الانْقِيادِ معه، لجُرْحٍ أو مرضٍ، فله قَتْلُه أيضًا. وَتوقَّفَ أحمدُ عن قَتْلِه. والصَّحِيحُ أنَّه يقْتُلُه، كما يُذفَّفُ (٧) على جَرِيحِهم، ولأنَّ تَرْكَهُ حَيًّا ضَررٌ على المسلمين، وتَقْوِيةٌ للكُفَّارِ، فتعيَّنَ القَتلُ، كحالَةِ الابْتداءِ إذا


(٤) سورة الممتحنة ١٠.
(٥) في الأصل: "الرقيق".
(٦) في الأصل، م: "أسيرا".
(٧) ذفَّف على الجريح: أجهز عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>