للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: فإن اسْتَخْلَفَ بَعْضُ الأَئِمَّةِ في وَقْتِنا (١)، ثم زالَ عُذْرُه فحَضَرَ، فهل يجوزُ أنْ يَفْعَلَ كفِعْلِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مع أبي بكرٍ؟ فيه رِوايَتانِ: إحْدَاهما، ليس له ذلك. قال أحمدُ، في رِوايةِ أبي دَاوُدَ: ذلك خَاصٌّ للنَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- دُونَ غيرِه؛ لأنَّ هذا أمْرٌ يُخَالِفُ القِياسَ، فإنَّ انْتقَالَ (٢) الإِمامِ مَأمُومًا، وانْتِقَالَ المَأْمُومِينَ من إمامٍ إلى آخَرَ، لا يجوزُ إلَّا لِعُذْرٍ يُحْوِجُ إليه، وليس في تَقْدِيمِ الإِمامِ الرَّاتِبِ ما يُحْوِجُ إلى هذا، أمَّا النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فكانتْ له من الفَضِيلَةِ علَى غيرِه، وعِظَمِ التَّقَدُّمِ عليه، ما ليس لِغيرِه، ولهذا قال أبو بكرٍ: ما كان لابنِ أبي قُحَافَةَ أن يَتَقَدَّمَ بين يَدَىْ رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-. والثانية، يجوزُ ذلك لِغيرِه. قال أحمدُ، في رِوَايَةِ أبي الحارِثِ: مَن فَعَلَ كما فَعَلَ رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُكَبِّرُ، ويَقْعُدُ إلى جَنْبِ الإِمامِ، يَبْتَدِئُ القِرَاءَةَ مِن حيثُ بَلَغَ الإِمامُ، ويُصَلِّى لِلنَّاسِ قِيَامًا؛ وذلك لأنَّ الأَصْلَ أنَّ ما فَعَلَه النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان جَائِزًا لِأُمَّتِه، ما لم يَقُمْ دَلِيلٌ على اخْتِصاصِه به. وفيه رِوايةٌ ثَالِثَةٌ، أنَّ ذلك لا يجوزُ إلَّا لِلْخَلِيفَةِ دون بَقيَّةِ الأَئِمَّةِ. قال في رِوَايَةِ المَرُّوذِىِّ: ليس هذا لأحَدٍ إلَّا لِلْخَلِيفَةِ؛ وذلك لأنَّ رُتْبَةَ الخِلافةِ تَفْضُلُ رُتْبَةَ سائِرِ الأئِمَّةِ، فلا يَلْحَقُ بها غيرُها، وكان ذلك لِلْخَلِيفَةِ؛ لأنَّ خَلِيفَةَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُومُ مَقامَه.

فصل: ويجوزُ لِلْعاجِزِ عن القِيامِ أن يَؤُمَّ مِثْلَه؛ لأنَّه إذا أمَّ القَادِرِينَ على القِيامِ فمِثْلُه أَوْلَى، ولا يُشْتَرَطُ في اقْتِدَائِهِم به أنْ يكونَ إمامًا رَاتِبًا، ولا مَرْجُوًّا زَوَالُ مَرَضِه؛ لأنَّه ليْس في إمامَتِه لهم تَرْكُ رُكْنٍ مَقْدُورٍ عليه، بِخِلافِ إمامَتِه لِلْقادرين على القِيامِ.

فصل: ولا يجوزُ لِتَارِكٍ رُكْنٍ منْ الأفْعالِ إمَامَةُ أحَدٍ، كالمُضْطَجِعِ، والعاجِزِ عن الرُّكُوعِ والسُّجُودِ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، ومالِكٌ. وقال الشَّافِعِىُّ: يجوزُ؛ لأنَّه فِعْلٌ أجازَهُ المَرَضُ، فلم يُغَيِّرْ حُكْمَ الائْتِمَامِ، كالقاعِدِ بالقِيامِ. ولنَا، أنَّه


(١) في م: "زماننا".
(٢) في أ، م: "انتقل".

<<  <  ج: ص:  >  >>