للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضَمَّنَهُ قِيمَتَه أكْثَرَ ما كانت من حين قَبْضِه إلى حين تَلَفِه؛ لأنَّ ما قبلَ القَبْضِ لم يَدْخُلْ في ضَمَانِه. وإن كان له أُجْرَةٌ، فله الرُّجُوعُ على الغاصِبِ بِجَمِيعِها، وإن شاءَ رَجَعَ على المُشْتَرِي بأَجْرِ مُقَامِه في يَدِه (١٨)، والباقِى على الغاصِبِ. والكلامُ في رُجُوعِ كل واحدٍ منهما على صَاحِبِه نَذْكُرُه فيما بعدُ، إن شاءَ اللهُ تعالى.

فصل: وإذا غَصَبَ حِنْطَةً فطحَنَها، أو شاةً فذَبَحَها وشَوَاهَا، أو حَدِيدًا فعَمِلَهُ سَكَاكِينَ أو أَوَانِىَ (١٩)، أو خَشَبَةً فنَجَرَهَا بَابًا أو تَابُوتًا، أو ثَوْبًا فقَطَعَهُ وخَاطَهُ، لم يَزُلْ مِلْكُ صَاحِبِه عنه، ويَأْخُذُه وأَرْشَ نَقْصِه إن نَقَصَ، ولا شىءَ للغاصِبِ في زِيَادَتِه، في الصَّحِيحِ من المَذْهَبِ. وهذا قولُ الشّافِعِىِّ. وقال أبو حنيفةَ في هذه المَسَائِلِ كلِّها: يَنْقَطِعُ حَقُّ صَاحِبِها عنها، إلَّا أنَّ الغاصِبَ لا يجوزُ له التَّصَرُّف فيها إلَّا بالصَّدَقَةِ، إلَّا أن يَدْفَعَ قِيمَتَها فيَمْلِكَها ويَتَصَرَّفَ فيها كيف شاءَ. ورَوَى محمدُ بن الحَكَمِ، عن أحمدَ، ما يَدُلُّ على أنَّ الغاصِبَ يَمْلِكُها بالقِيمَةِ، إلَّا أنَّه قولٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عنه، فإنَّ محمدًا ماتَ قبل أبى عبدِ اللَّه بنحوٍ من عِشْرِينَ سَنَةً. واحْتَجُّوا بما رُوِىَ أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، زَارَ قَوْمًا من الأَنْصارِ في دَارِهِم، فقَدَّمُوا إليه شاةً مَشْوِيَّةً فتَنَاوَلَ منها لُقْمَةً، فجَعَلَ يَلُوكُها ولا يَسِيغُها، فقال: "إنَّ هذِهِ الشّاةَ لَتُخْبِرُنِى أنَّها أُخِذَتْ بِغَيْرِ وَجْهِ (٢٠) حَقٍّ". فقالوا: نعم يا رسولَ اللَّه، طَلَبْنَا في السُّوقِ فلم نَجِدْ، فأخَذْنَا شاةً لبعضِ (٢١) جِيرَانِنَا، ونحن نُرْضِيهِم من ثَمَنِها. فقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَطْعِمُوهَا الْأَسْرَى". رَوَاهُ أبو دَاوُدَ (٢٢) بنحوٍ من هذا. وهذا يَدُلُّ على (٢٣) أن حَقَّ أصْحَابِها انْقَطَعَ عنها، ولولا ذلك لأَمَرَ بِرَدِّها


(١٨) في الأصل: "يديه".
(١٩) في م: "وأواني".
(٢٠) سقط من: الأصل.
(٢١) في م زيادة: "الأنصار".
(٢٢) في: باب في اجتناب الشبهات، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢١٩.
كما أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند ٥/ ٢٩٣.
(٢٣) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>