للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما لو اسْتَعَارَ عَبْدَه فرَهَنَهُ بإِذْنِه، كان عليه تَخْلِيصُه إذا طَلَبَهُ سَيِّدُه. وإن كانت الكَفَالَةُ بغير إِذْنِه نَظَرْنَا؛ فإن طَلَبَهُ المَكْفُولُ له منه، لَزِمَهُ أن يَحْضُرَ معه؛ لأنَّ حُضُورَه حَقٌّ لِلْمَكْفُولِ له، وقد اسْتَنَابَ الكَفِيلَ في طَلَبِه. وإن لم يَطْلُبْهُ المَكْفُولُ له، لم يَلْزَمْهُ أن يَحْضُرَ معه؛ لأنَّه لم يُشْغِلْ ذِمَّتَهُ، وإنَّما الكَفِيلُ شَغَلَها بِاخْتِيَارِ نَفْسِه، فلم يَجُزْ أن يَثْبُتَ له بذلك حَقٌّ على غيره. وإن قال المَكْفُولُ له: أَحْضِرْ كَفِيلَكَ. كان تَوْكِيلًا في إحْضَارِه، ولَزِمَهُ أن يَحْضُرَ معه، كما لو وَكَّلَ أجْنَبيًّا. وإن قال: اخْرُجْ من كَفَالَتِكَ. احْتَمَلَ أن يكونَ تَوْكِيلًا في إحْضَارِه، كاللَّفْظِ الأَوَّلِ، ويَحْتَمِلُ أن تكونَ مُطَالَبَةً بالدَّيْنِ الذي عليه، فلا يكون تَوْكِيلًا، فلا يَلْزَمُه الحُضُورُ معه.

فصل: وإذا قال رَجُلٌ لآخَرَ: اضْمَنْ عن فُلَانٍ. أو اكْفُلْ بِفُلَانٍ. ففَعَلَ، كان الضَّمانُ والكَفالةُ لَازِمَيْنِ لِلْمُبَاشِرِ دون الآمِرِ؛ لأنَّه كَفَلَ (٣٨) بِاخْتِيَارِ نَفْسِه، وإنَّما الأَمْرُ إرْشَادٌ وحَثٌّ على فِعْلِ خَيْرٍ، فلا يَلزَمُه به بشىءٌ.

٨٢٦ - مسألة؛ قال: (فَإنْ مَاتَ، بَرِئَ المُتَكَفِّلُ)

وجملتُه أنَّه إذا ماتَ المَكْفُولُ به، سَقَطَتِ الكَفالةُ، ولم يَلْزَم الكَفِيلَ شَىْءٌ. وبهذا قال شُرَيْحٌ، والشَّعْبِىُّ، وحَمَّادُ بن أبي سليمانَ، وأبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ. وقال الحَكَمُ، ومَالِكٌ، واللَّيْثُ: يَجِبُ على الكَفِيلِ غُرْمُ ما عليه. وحُكِىَ ذلك عن ابنِ شُرَيْحٍ؛ لأنَّ الكَفِيلَ وَثِيقَةٌ بِحَقٍّ (١)، فإذا تَعَذَّرَتْ من جِهَةِ من عليه الدَّيْنُ، اسْتَوْفَى من الوَثِيقَةِ كالرَّهْنِ، ولأنَّه تَعَذَّرَ إحْضَارُه، فلَزِمَ كَفِيلَهُ (٢) ما عليه، كما لو غَابَ. ولَنا، أنَّ الحُضُورَ سَقَطَ عن المَكْفُولِ به، فبَرِئَ الكَفِيلُ، كما لو بَرِئَ من الدَّيْنِ، ولأنَّ ما الْتَزَمَهُ من أَجْلِه سَقَطَ عن الأَصْلِ، فبَرِئَ الفَرْعُ، كالضَّامِنِ إذا قَضَى المَضْمُونُ عنه الدَّيْنَ، أو أُبْرِئَ


(٣٨) في الأصل، ب: "كفيل".
(١) في الأصل: "بحقه".
(٢) في الأصل: "الكفيل".

<<  <  ج: ص:  >  >>