للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكَلَامُ فيه، أو فَصَلَ بين المُسْتَثْنَى منه والمُسْتَثْنَى بكَلَامٍ أجْنَبِيٍّ، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه إذا سَكَتَ أو عَدَلَ عن إِقْرَارِه إلى شيءٍ آخَرَ، اسْتَقَرَّ حُكْمُ ما أقَرَّ به، فلم يَرْتَفِعْ، بِخِلَافِ ما إذا كان في كَلَامِه، فإنَّه لا يَثْبُتُ حُكْمُه، وينْتظرُ ما يَتِمُّ به كَلَامُهُ، ويَتَعَلَّقُ به حُكْمُ الاسْتِثْنَاءِ والشَّرْطِ والعَطْفِ والبَدَلِ ونحوِه.

فصل: ولا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الكُلَّ بغيرِ خِلَافٍ؛ لأنَّ الاسْتِثْنَاءَ رَفْعُ بعضِ ما تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ، واسْتِثْنَاءُ الكُلِّ رَفْعُ الكُلِّ، فلو صَحَّ صارَ الكلامُ [كله لَغْوًا] (٢٥) غيرَ مُفِيدٍ، فإن قال: له علَىَّ دِرْهَمٌ ودِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا. أو ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ (٢٦) ودِرْهَمَانِ إلَّا دِرْهَمَيْنِ. أو ثَلَاثَةٌ ونِصْفٌ إلَّا نِصْفًا، أو إلَّا دِرْهَمًا. أو خَمْسَةٌ وتِسْعُونَ إلَّا خَمْسَةً. لم يَصِحَّ الاسْتِثْناءُ، ولَزِمَهُ جَمِيعُ ما أَقَرَّ به قبلَ الاسْتِثْناءِ. وهذا قولُ الشّافِعِىِّ. وهو الذي يَقْتَضِيه مذهبُ أبى حنِيفةَ. وفيه وَجْهٌ آخَر، أنَّه يَصِحُّ؛ لأنَّ الواوَ العاطِفَةَ تَجْمَعُ بين العَدَدَيْنِ، وتَجْعَلُ الجُمْلَتَيْنِ كالجُمْلَةِ الواحِدَةِ، ومن أَصْلِنا أنَّ الاسْتِثْناءَ إذا تَعَقَّبَ جُمَلًا مَعْطُوفًا بعضُها على بعضٍ بالواوِ، عادَ إلى جَمِيعِها، كقَوْلِنا في قولِ اللَّه تعالى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} (٢٧): إنَّ الاسْتِثْنَاءَ عادَ إلى الجُمْلَتَيْنِ، فإذا تابَ القاذِفُ قُبِلَتْ شَهَادَتُه. ومن ذلك قولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلْطَانِه، ولَا يُجْلَسْ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِه" (٢٨). والوَجْهُ الأَوَّلُ أَوْلَى؛ لأنَّ الوَاوَ لم تُخْرِجِ الكَلَامَ من أن يكونَ جُمْلَتَيْنِ، والاسْتِثْنَاء يَرْفَعُ إحْدَاهما جَمِيعًا، ولا نَظِيرَ لهذا في كلامِهم، ولأنَّ صِحَّةَ الاسْتِثْناءِ تَجْعَلُ إِحْدَى الجُمْلَتَيْنِ مع الاسْتِثْناءِ لَغْوًا، لأنَّه أثْبَتَ شيئا بِلَفْظٍ مُفْرَدٍ، ثم رَفَعَهُ كلَّه، فلا يَصِحُّ، كما لو اسْتَثْنَى منها وهى غيرُ مَعْطُوفَةٍ على بعضِها (٢٩)، فأمَّا الآيةُ والخَبَرُ، فإنَّ الاسْتِثْنَاءَ لم يَرْفَعْ إحْدَى


(٢٥) سقط من: ب.
(٢٦) سقط من: الأصل، أ، ب.
(٢٧) سورة النور ٤، ٥.
(٢٨) تقدم تخريجه في: ٣/ ٤٢.
(٢٩) في أ، ب: "غيرها".

<<  <  ج: ص:  >  >>