للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طاعَتِكَ وأَمْرِكَ، غيرُ خَارِجٍ عن ذلك، ولا شَارِدٌ عليك. هذا أو ما أشْبَهه، وثَنَّوْها وكَرَّرُوها؛ لأنَّهم أرَادُوا إقَامَةً بعد إقَامَةٍ، كما قالوا: حَنَانَيْكَ. أى رَحْمَةً بعد رَحْمَةٍ، أو رَحْمَةً مع رَحْمَةٍ، أو ما أشْبَهَهُ. وقال جَمَاعَةٌ من أهْلِ العِلْمِ: مَعْنَى التَّلْبِيَةِ إجابَةُ نِدَاءِ إبراهيمَ عليه السَّلَامُ، حين نَادَى بِالحَجِّ. وَرُوِىَ عن ابنِ عَبَّاسٍ قال: لمَّا فَرَغَ إبراهِيمُ، عليه السَّلَامُ، من بِنَاءِ البَيْتِ، قِيلَ له: أذِّنْ فى النَّاسِ بِالحَجِّ. فقال: رَبِّ وما يَبْلُغُ صَوْتِى. قال: أذِّنْ، وعَلَىَّ البَلَاغُ. فنادَى إبراهيمُ: أيُّها الناسُ، كُتِبَ عليكم الحَجُّ. قال: فسَمِعَهُ ما بين السَّماءِ والأرْضِ. أفلا تَرَى النَّاس يَجِيئُونَ من أقْطَارِ الأرْضِ يُلَبُّونَ (٣). ويقول (٤): لبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ. بِكَسْرِ الألِفِ. نَصَّ عليه أحمدُ والفَتْحُ جَائزٌ، إلَّا أن الكَسْرَ أجْوَدُ. قال ثَعْلَبٌ: مَن قال "أنَّ" بِفَتْحِها فقد خَصَّ، ومن قال بِكَسْرِ الألِف فقد عَمَّ. يَعْنِى أنَّ من كَسَرَ جَعَلَ الحَمْدَ للهِ على كل حَالٍ، ومن فَتَحَ فمَعْنَاهُ لَبَّيْكَ؛ لأنَّ الحَمْدَ لك، أى لهذا السَّبَبَ.

فصل: ولا تُسْتَحَبُّ الزِّيادَةُ على تَلْبِيَةِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولا تُكْرَهُ. ونحوَ ذلك قال الشَّافِعِىُّ، وابنُ المُنْذِرِ؛ وذلك لِقَوْلِ جابِرٍ: فأهَلَّ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالتَّوْحِيدِ: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ والنِّعْمَةَ لَكَ، والْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ". وأهَلَّ النّاسُ بهذا الذى يُهِلُّونَ، ولَزِمَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَلْبِيَتَه، وكان ابنُ عمرَ يُلَبِّى تَلْبِيَة (٥) رسولِ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ويَزِيدُ مع هذا: لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ، والخيرُ بِيَدَيْكَ، والرَّغْبَاءُ (٦) إلَيْكَ والعَمَلُ. مُتَّفَقٌ عليه (٧). وَزادَ عمرُ: لَبَّيْكَ ذا النَّعْمَاءِ والفَضْلِ، لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ مَرْهُوبًا ومَرْغُوبًا إلَيْكَ،


(٣) أخرجه الحاكم، فى: باب ذكر إبراهيم عليه السلام، من كتاب التاريخ. المستدرك ٢/ ٥٥٢.
(٤) فى أ، ب، م: "ويقولون".
(٥) فى أ، ب، م: "بتلبية".
(٦) معناه: الطلب والمسألة إلى من بيده الخير.
(٧) تقدم تخريجه فى الصفحة السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>