للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثاني، فيما لَزِمَه من الدَّيْنِ من أُرُوشِ جِناياتِه، أو قِيَمِ مُتْلَفاتِه، فهذا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ العَبْدِ، على كلِّ حالٍ، مَأْذُونًا، أو غيرَ مَأْذُونٍ، رِوايَةً واحِدَةً، وبه يقول أبو حنيفةَ والشَّافِعِىُّ. وكلُّ ما يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِه فإنَّ السَّيِّدَ يَتَخَيَّرُ بين تَسْلِيمِه لِلْبَيْعِ وبين فِدائِه، فإن سَلَّمَهُ فَبِيعَ، وكان ثَمَنُهُ أقَلَّ من أرْشِ جِنايَتِه، فليس لِلْمَجْنِيِّ عليه إلَّا ذلك؛ لأنَّ العَبْدَ هو الجانِى، فلا يَجِبُ على غيرِه شىءٌ. وإن كان ثَمَنُه أكْثَرَ، فالفَضْلُ لِسَيِّدِه. وذَكَرَ القاضى أنَّ ظاهِرَ كَلامِ أحمدَ، أنَّ السَّيِّدَ لا يَرْجِعُ بالفَضْلِ. ولَعَلَّه يَذْهَبُ إلى أنَّه دَفَعَه إليه عِوَضًا عن الجِنايَةِ، فلم يَبْقَ لِسَّيِّدِه فيه شىءٌ، كما لو مَلَّكَه إيَّاه عِوَضًا عن الجِنايَةِ. وهذا ليس بِصَحِيحٍ. فإنَّ المَجْنِي عليه لا يَسْتَحِقُّ أكْثَرَ من قَدْرِ أرْشِ الجِنايَةِ عليه، كما لو جَنَى عليه حُرٌّ، والجَانِى لا يَجِبُ عليه أكْثَرُ من قَدْرِ جِنايَتِه، ولأنَّ الحَقَّ تَعَلَّقَ بِعَيْنِه، فكان الفَضْلُ من ثَمَنِه لِسَيِّدِه، كالرَّهْنِ. ولا يَصِحُّ قولُهم: إنَّه دَفَعَه عِوَضًا. لأنَّه لو كان عِوَضًا، لمَلَكَه المَجْنِىُّ عليه، ولم يُبَعْ فى الجِنايَةِ، وإنَّما دَفَعَه ليُباعَ، فيُؤْخَذَ منه عِوَضُ الجِنايَةِ، ويُرَدَّ إليه الباقِى، ولذلك لو أتْلَفَ دِرْهَمًا، لم يَبْطُلْ حَقُّ سَيِّدِه منه بذلك؛ لِعَجْزِه عن أداءِ الدِّرْهَمِ مِن غيرِ ثَمَنِه. وإن اخْتارَ السَّيِّدُ فِداءَه لَزِمَه أقَلُّ الأمْرَيْنِ؛ من قِيمَتِه، أو أَرْشِ جِنايَتِه؛ لأنَّ أَرْشَ الجِنايَةِ إن كان أَكْثَرَ، فلا يَتَعَلَّقُ بغير العَبْدِ الجانِى؛ لِعَدَمِ الجِنايَةِ من غيرِه، وإنَّما تَجِبُ قِيمَتُه، وإن كان أقَلَّ، فلم يَجِبْ بالجِنايَةِ إلَّا هُو. وعن أحمدَ رِوايَةٌ أُخْرَى، أنَّه يَلْزَمُه أَرْشُ جِنايَتِه، بالِغًا ما بَلَغَ؛ لأنَّه يجوزُ أن يَرْغَبَ فيه راغِبٌ، فيَشْتَرِيَه بأكْثَرَ من ثَمَنِه، فإذا مَنَعَ بَيعَه لَزِمَه جَمِيعُ الأرْشِ، لِتَفْوِيتِه ذلك. ولِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، كالرِّوايَتَيْنِ.

الفصلُ الثالث، فى تَصَرُّفاتِه؛ أمَّا غيرُ المَأذُونِ، فلا يَصِحُّ بَيْعُه، ولا شِراؤُه بعَيْنِ المالِ، لأنَّه تَصَرُّفٌ من المَحْجُورِ فيما (٥) حُجِرَ عليه فيه، فأشْبَه المُفْلِسَ.


(٥) فى النسخ: "فيم".

<<  <  ج: ص:  >  >>