للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"هَلْ لَكَ بِالْيَمَنِ أحَدٌ؟ " قال: نعم، أبَوَاىَ. قال: "أَذِنَا لَكَ؟ " قال: لا. قال: "فَارْجِعْ، فَاسْتَأْذِنْهُمَا، فَإِنْ أذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ، وإلَّا فَبِرَّهُمَا". روَاهُنَّ أبو داود (٤). ولأنَّ بِرَّ الوالدَيْن فرضُ عيْنٍ، والجِهادَ فرضُ كِفَايةٍ، وفرضُ العَيْن يُقَدَّمُ. فأمّا إنْ كان أبواهُ غيرَ مُسْلِمَيْن، فلا إذْنَ لهما. وبذلك قال الشافِعِيّ. وقال الثَّوْرِيُّ: لا يغزُو إلَّا بإذْنِهِما؛ لعُمومِ الأَخْبارِ. ولَنا، أنّ أصْحابَ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كانوا يُجَاهِدون، وفيهم مَنْ له أبَوانِ كافِرانِ، من غَيْرِ اسْتِئْذانِهما؛ منهم أبو بكْرٍ الصِّدِّيق، وأبو حُذَيْفَةَ بن عُتْبَة بن رَبِيعَة، كان مع النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يومَ بدْرٍ، وأَبوه رئيسُ المُشْرِكِين يومَئِذٍ، قُتِلَ ببَدْرٍ وأبو عُبَيْدَة، قَتَلَ أباهُ في الجِهاد، فأنْزَلَ اللَّه تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا} (٥). الآية، وعمومُ الأَخْبارِ يُخَصَّصُ (٦) بما رَوَيناه، فأمَّا إن كان أبواه رَقِيقَيْن، فعُمومُ كلامِ الْخِرَقِيِّ يقتَضِي وُجوبَ اسْتِئْذانِهما؛ لعمومِ الأَخْبارِ، ولأَنَّهُما أبَوانِ مُسْلمان، فأَشْبَها الحُرَّيْنِ. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يُعْتَبَرَ إذْنُهُما؛ لأنَّه لا وِلايَةَ لهما. وإن كانا مَجْنُونَيْنِ، فلا إِذْنَ لهما؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ اسْتِئْذانُهما.

١٦٢٦ - مسألة؛ قال: (وَإذَا خُوطِبَ بالْجِهَادِ، فَلَا إذْنَ لَهُمَا، وكَذلِكَ كُلُّ الْفَرَائِضِ، لَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي تَرْكِهَا)

يعني إذا وجَبَ عليه الجِهادُ لم يُعْتَبَرْ إذْنُ والِدَيْه؛ لأنَّه صارَ فَرْضَ عَيْنٍ، وتَرْكُه مَعْصِيَةٌ، ولا طاعَةَ لأحَدٍ في معصيةِ اللَّه. وكذلك كُلّ ما وَجَبَ، مثل الحَجِّ، والصَّلاةِ في الجماعَةِ والجُمَعِ، والسَّفَرِ للعلمِ الواجِبِ. قال الأَوْزاعِيُّ: لا طاعَةَ للوالِدَيْن في تَرْكِ


(٤) في: باب في الرجل يغزو وأبواه كارهان، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود ٢/ ١٦، ١٧.
كما أخرجه النسائي، في: باب في البيعة على الهجرة، من كتاب البيعة. المجتبى ٧/ ١٢٩. وابن ماجه، في: باب الرجل يغزو وله أبوان، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه ٢/ ٩٣٠. والإِمام أحمد، في: المسند ٢/ ١٦٠، ١٩٤، ١٩٨، ٢٠٤، ٣/ ٧٥، ٧٦.
(٥) سورة المجادلة ٢٢.
وانظر: تفسير القرطبي ١٧/ ٣٠٧.
(٦) في أ، م: "مخصص".

<<  <  ج: ص:  >  >>