للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابنُ الزَّانِيَةِ. فلا حَدَّ عليه. نَصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّه لم يُعَيِّنْ أحدًا بالقَذْفِ، وكذلك ما أشْبَهَ هذا. ولو قذفَ جماعَةً لا يُتَصَوَّرُ صدْقُه في قَذْفِهِم، مثل أن يَقْذِفَ أهلَ بَلدةٍ كبيرةٍ (١٢) بالزِّنَى كلَّهم، لم يكُنْ عليه حَدٌّ؛ لأنَّه لم يُلْحِقِ العارَ بأحدٍ غيرِ نفسِه، للعلمِ بِكَذِبِه.

فصل: وإن ادَّعَى على رَجُلٍ أنَّه قَذَفَه، فأنْكَرَ، لم يُسْتَحْلَفْ. وبه قال الشَّعْبِيُّ، وحَمَّادٌ، والثَّوْرِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وعن أحمدَ، رَحِمَه اللهُ، أنه يُسْتَحْلَفُ. حكاها ابنُ المُنْذِرِ، وهو قولُ الزُّهْرِىِّ، ومالِكٍ، والشَّافِعِىِّ، وإسحاقَ، وأبي ثَوْرٍ، وابنِ الْمُنْذِرِ؛ لقولِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَلَكِنَّ اليَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ" (١٣). ولأنَّه حَقٌّ لآدَمِىٍّ، فيُسْتَحْلَفُ فيه كالدَّيْنِ. ووَجْهُ الأُولَى، أنَّه حَدٌّ، فلا يُسْتَحْلَفُ فيه، كالزِّنِى والسَّرقَةِ. فإن نَكَلَ عن الْيَمِينِ، لم يُقَمْ عليه الحَدُّ؛ لأنَّ الحَدَّ يُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، فلا يُقْضَى فيه بالنُّكُولِ، كسائرِ الحُدود.

١٥٧٧ - مسألة؛ قال: (وَمَنْ قَتَلَ، أوْ أَتَى حَدًّا خَارِجَ الْحَرَمِ، ثُمَّ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ، لم يُبَايَعْ ولم يُشَارَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ، فَيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ)

وجملتُه أنَّ مَن جَنَى جِنايةً تُوجِبُ قتلًا خارِجَ الحَرَمِ، ثم لَجَأَ إليه، لم يُسْتَوْفَ منه فيه. وهذا قولُ ابنِ عَبَّاسٍ، وعَطَاءٍ، وعُبَيْد بن عُمَيْرٍ، والزُّهْرِىِّ، ومُجاهِدٍ، وإسْحاقَ، والشَّعْبِى، وأبي حنيفةَ، وأصحابِه. ؤاما غيرُ القتلِ من الحُدُودِ كلِّها والقِصاصِ فيما دونَ النَّفْسِ، فعَنْ أحمدَ فيه روايتان؛ إحداهما، لا يُستَوْفَى من المُلْتجِئِ إلى الحَرَمِ فيه. والثانية، يُسْتَوْفَى. وهو مذهبُ أبي حنيفةَ؛ لأنَّ المرْوِىَّ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- النَّهْىُ عن القتلِ بقولِه عليه السلام: "فَلَا يُسْفَكُ فِيها دَمٌ" (١). وحُرْمَةُ


(١٢) في ب، م: "كثيرة".
(١٣) تقدم تخريجه، في: ٦/ ٥٢٥.
(١) أخرجه البخاري في: باب ليبلغ الشاهد الغائب، من كتاب العلم، وفى: باب حدثني محمد بن بشار. . ., من =

<<  <  ج: ص:  >  >>