للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذِّمَّةِ دَفْعَ جزْيَتِهم إليهم (٧)، لم تُقْبَلْ بِغيرِ بَيِّنَةٍ؛ لأنَّهم غيرُ مَأْمُونِينَ، ولأنَّ ما يَجِبُ عليهم عِوَضٌ، وليس بِمُواسَاةٍ، فلم يُقْبَلْ قَوْلُهم، كأُجرَةِ الدَّارِ. ويَحْتَمِلُ أن يُقْبَلَ قَوْلُهم إذا مَضَى الحَوْلُ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أنَّ البُغَاةَ لا يَدَعُونَ الجِزْيَةَ لهم، فكان القَوْلُ قَوْلَهم؛ لأنَّ الظَّاهِرَ معهم، ولأنَّه إذا مَضَى لذلك سِنُونَ كثِيرَةٌ، شَقَّ عليهم إقامَةُ البَيِّنَةِ على كلِّ عامٍ، فَيُؤَدِّي ذلك إلى تَغْرِيمِهم الجِزْيَةَ مَرَّتَينِ. وإن ادَّعَى مَن عليه الخَرَاجُ دَفْعَهُ إليهم، ففيه وَجْهانِ؛ أحدُهما، يُقْبَلُ؛ لأنَّه حَقٌّ على مسلمٍ، فقُبِلَ قولُه فيه كالزَّكَاةِ. والثاني، لا يُقْبَلُ؛ لأنَّه عِوَضٌ، فأشْبَهَ الجِزْيَةَ. وإن كان مَنْ عليه الخَرَاجُ ذِمِّيًّا، فهو كالجِزْيَةِ؛ لأنَّه عِوَضٌ على غيرِ مسلمٍ، فهو كالجِزْيَةِ؛ ولأنَّه أحدُ الخَرَاجَيْنِ، فأشْبَهَ الجِزْيَةَ.

١٥٣٧ - مسألة؛ قال: (وَلَا يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ حَاكِمِهِمْ، إلَّا مَا يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ غَيرِهِ)

يَعْنِي إذا نَصَبَ أهلُ البَغْيِ قاضِيًا يَصْلُحُ للقَضاءِ، فحُكْمُه حُكْمُ قَاضي (١) أَهْلِ العَدْلِ، يَنْفُذُ من أحكامِه ما يَنْفُذُ من أحكامِ قاضي (٢) أهلِ العدلِ، ويُرَدُّ منه ما يُرَدُّ. فإن كان ممَّنْ يَسْتَحِلُّ دِمَاءَ أَهْلِ العَدْلِ وأمْوالَهم، لم يَجُزْ قَضَاؤُه؛ لأنَّه ليس بعَدْلٍ. وهذا قولُ الشَّافِعيِّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يجوزُ قَضَاؤُه بحالٍ؛ لأنَّ أهلَ البَغْيِ يُفَسَّقون بِبَغْيِهم، والفِسْقُ يُنافِي القضاءَ. ولَنا، أنَّه اخْتِلافٌ في الفُرُوعِ بتأْويلٍ سائغٍ، فلم يَمْنَعْ صِحَّةَ القضاءِ، ولم يُفَسَّقْ به (١)، كاختلافِ الفُقَهاءِ. فإذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه إذا حَكَمَ بما لا يُخالِفُ [نَصًّا ولا] (٣) إجْماعًا، نَفَذَ حُكْمُه، وإن خَالَفَ ذلك، نُقِضَ حُكْمُه؛ [لأنَّ قاضىَ أهلِ العَدْل إذا حكم بذلك نُقِضَ حُكْمُه] (٣)، فقاضى أهْلِ البَغْيِ أَوْلَى. وإن حَكَمَ


(٧) سقط من: م.
(١) سقط من: م.
(٢) سقط من: ب، م.
(٣) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>