للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: إنا نُعَرِّيها النَّاسَ. فتَعَيَّنَ صَرْفُ اللَّفْظِ إلى مَوْضُوعِه لُغَةً ومُقْتَضاهُ في العَربيَّةِ، ما لم يُوجَدْ ما يَصْرِفُه عن ذلك. ولنا، حَدِيثُ زَيْدِ بن ثابِتٍ، وهو حُجَّةٌ على مالِكٍ، [في تَصْرِيحِه بِجَوازِ] (٢١) بَيْعِها من غير الواهِبِ، ولأنَّه لو كان لحاجَةِ الواهِبِ لما اخْتُصَّ بخَمْسَةِ أوْسُقٍ، لِعَدَمِ اخْتِصاصِ الحاجَةِ بها. ولم يَجُزْ بَيْعُها بالتَّمْرِ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ من حال صاحِبِ الحائِطِ الذى له النَّخِيلُ الكَثِيرُ يُعَرِّيهِ الناسَ، أنَّه لا يَعْجِزُ عن أداءِ ثَمَنِ العَرِيَّةِ، وفيه حُجَّةٌ على من اشْتَرَطَ كَوْنَها مَوْهُوبَةً لِبائِعِها؛ لأنّ عِلَّةَ الرُّخْصَةِ حاجَةُ المُشْتَرِى إلى أكْلِ الرُّطَبِ، ولا ثَمَنَ معه سِوَى التَّمْرِ، فمتى وُجِدَ ذلك، جازَ البَيْعُ. ولأنَّ اشْتِراطَ كَوْنِها مَوهُوبةً مع اشْتِراطِ حاجَة المُشْتَرِى إلى أكلِهَا رُطَبًا، ولا ثَمَن معه، يُفْضِى إلى سُقُوطِ الرُّخْصَةِ، إذ لا يكادُ يَتَّفِقُ ذلك. ولأنَّ ما جازَ بَيْعُه إذا كان مَوهُوبًا، جَازَ وإنْ لم يكن مَوْهُوبًا، كسائِرِ الأمْوالِ، وما جازَ بَيْعُه لِواهِبِه، جازَ لغيرِه، كسائِرِ الأمْوالِ، وإنّما سُمِّىَ عَرِيَّةً لِتَعَرِّيهِ عن (٢٢) غيرِه، وإفْرَادِهِ بِالبَيْعِ.

الفصل الرَّابع، أنَّه إنَّما يَجُوزُ بَيْعُها بِخَرْصِها من التَّمْرِ، لا أقَلَّ منه ولا أكْثَرَ، ويَجِبُ أنْ يكونَ التَّمْرُ الذى يَشْتَرِى به مَعْلُومًا بالكَيْلِ، ولا يَجُوزُ جُزافًا. لا نَعْلَمُ في هذا عند من أباحَ بَيْعَ العَرايا اخْتِلافًا؛ لما رَوَى زَيْدُ بن ثابِتٍ، أنَّ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرْخَصَ في العَرَايَا أنْ تُبَاعَ بِخَرْصِها كَيْلًا. مُتَّفَقٌ عليه (٢٣). ولِمُسْلِمٍ، أنْ تُؤْخَذَ


= أيضا ثعلب في مجالسه ٩٤. قال ابن منظور في (رجب) إنه يروى: رجبية، بضم الراء وتخفيف الجيم المفتوحة وتشديدها، قال: كلاهما نسب نادر، والتثقيل أذهب في الشذوذ، ثم قال: وقد روى بيت سويد ابن الصامت بالوجهين جميعا.
(٢١) في الأصل: "تصريحه في جواز".
(٢٢) في الأصل: "من".
(٢٣) أخرجه البخارى، في: باب تفسير العرايا، من كتاب البيوع. صحيح البخارى ٣/ ١٠٠. ومسلم، في: باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا، من كتاب البيوع. صحيح مسلم ٣/ ١١٦٩.
كما أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند ٥/ ١٨١، ١٨٨. وانطر فتح البارى ٤/ ٣٩٢، ٣٩٣، تلخيص الحبير ٣/ ٢٩، ١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>