للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ثلاثةِ وُجُوهٍ، ولم يُعْرَفْ فى الصَّحابةِ له مخالِفٌ. ورَوَى الجُوزَجَانىُّ وغيرُه، بإسْنادِهم عن عليٍّ فى امرأةِ المَفْقُودِ: تَعْتَدُّ أربعَ سِنِينَ، ثم يُطَلِّقُها وَلِىُّ زَوْجِها، وتعتدُّ بعد ذلك أربعةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا، فإن جاء زوجُها المفقودُ بعدَ ذلك، خُيِّرَ بين الصَّداقِ وبينَ امْرأتِه. وقَضَى به عثمانُ أيضًا، وقَضَى به ابنُ الزُّبَيْرِ فى مَوْلاةٍ لهم. وهذه قَضايا انْتَشرَتْ فى الصَّحابةِ فلم تُنْكَرْ، فكانت إجْماعًا. فأمَّا الحديثُ الذى رَوَوْه عن النَّبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلم يَثْبُتْ، ولم يَذْكُرْه أصْحابُ السُّنَنِ. وما رَووْهُ عن عليٍّ، فيَرْوِيه الحَكَمُ وحَمَّادٌ مُرْسَلًا، والمُسْندُ عنه مثلُ قَوْلِنا، ثم يُحْمَلُ ما رَوَوْه على المَفْقودِ الذى ظاهِرُ غَيْبَتِه السَّلامةُ، جَمْعًا بينَه وبينَ ما رَوَيْناه. وقولُهم: إنَّه شَكٌّ فى زَوالِ الزَّوْجِيَّةِ. مَمْنُوعٌ، فإنَّ الشَّكَّ ما تَساوَى فيه الأمْران، والظاهرُ فى مَسْألَتِنا هَلَاكُه.

فصل: وهل يُعْتَبرُ أن يُطَلِّقَها وَلِىُّ زَوْجِها، ثم تعتدَّ بعدَ ذلك بثلاثةِ قُرُوءٍ؟ فيه رِوَايتان؛ إحداهما، يعتبرُ ذلك؛ لأنَّه فى (٥٦) حديثِ عمرَ الذى رَوَيْناه، وقد قال أحمدُ: هو أحْسَنُها. وذكر فى حديثِ عليٍّ، أنَّه يُطَلِّقُها وَلِىُّ زَوْجِها. والثانية، لا يُعْتَبرُ ذلك، كذلك قال ابنُ عمرَ، وابنُ عباسٍ. وهو القِياسُ؛ فإنَّ وَلِىَّ الرجلِ لا وِلايةَ له فى طَلَاقِ امرأتِه، ولأنَّنا حَكَمْنا عليها بعدَّةِ الوَفاةِ، فلا يجبُ عليها مع ذلك عِدَّةُ الطَّلاقِ، كما لو تَيَقَّنَتْ وَفاتَه، ولأنَّه قد (٥٧) وُجِدَ دَلِيلُ هَلاكِه على وَجْهٍ أباحَ لها التَّزْوِيجَ، وأوْجَبَ عليها عِدَّةَ الوَفاةِ، فأشْبَهَ ما لو شَهِدَ به شاهِدَان.

فصل: وهل يُعْتَبَرُ ابْتداءُ المُدَّةِ من حينِ الغَيْبَةِ أو من حينَ ضَرَبَ الحاكمُ المُدَّةَ؟ على رِوَايتَيْن؛ إحداهما، يُعْتَبَرُ ابتداؤُها من حِينَ ضَرَبَها الحاكمُ؛ لأنَّها مُدَّة مُخْتلَفٌ فيها، فافْتَقَرتْ إلى ضَرْبِ الحاكمِ، كمُدَّةِ العُنَّةِ. والثَّانية (٥٨)، من حينَ انْقَطَعَ خَبَرُه،


(٥٦) فى ب: "من".
(٥٧) سقط من: أ، ب، م.
(٥٨) فى أ، ب، م: "والثانى".

<<  <  ج: ص:  >  >>