للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَفْسُدُ صَوْمُه، وعليه قَضَاءُ ذلك اليومِ، إذا عادَ إلى الإِسلامِ. سَوَاءٌ أسْلَمَ فى أثْنَاءِ اليومِ، أو بعد انْقِضَائِه، وسَوَاءٌ كانتْ رِدَّتُه باعْتِقَادِه ما يَكْفُرُ به، أو بِشَكِّه (١) فيما يَكْفُرُ بالشَّكِّ فيه، أو بالنُّطْقِ بِكَلِمَةِ الكُفْرِ، مُسْتَهْزِئًا أو غيرَ مُسْتَهْزِئٍ، قال اللهُ تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (٢). وذلك لأنَّ الصَّوْمَ عِبادَةٌ من شَرْطِهَا النِّيَّةُ، فأبْطَلَتْها الرِّدَّةُ، كالصلاةِ والحَجِّ، ولأنَّه عِبادَةٌ مَحْضَةٌ، فنَافَاها الكُفْرُ، كالصلاةِ.

٤٩٣ - مسألة؛ قال: (وَمَنْ نَوَى الْإِفْطَارَ فَقَدْ أَفْطَرَ)

هذا الظَّاهِرُ من المذهبِ. وهو قولُ الشَّافِعِىِّ، وأبِى ثَوْرٍ، وأصْحابِ الرَّأْىِ، إلَّا أن أصْحابَ الرَّأْىِ قالُوا: إنْ عَادَ فنَوَى قبلَ أن يَنْتَصِفَ النَّهارُ أجْزَأَهُ. بناءً على أصْلِهِم أن الصَّوْمَ يُجْزِئُ بِنِيَّةٍ من النَّهارِ. وحُكِىَ عن ابنِ حامِدٍ أن الصَّوْمَ لا يَفْسُدُ بذلك؛ لأنَّها عِبَادَةٌ يَلْزَمُ المُضِىُّ فى فَاسِدِها، فلم تَفْسُدْ بِنِيَّةِ الخُرُوجِ منها، كالحَجِّ. ولَنا، أنَّها عِبادَةٌ من شَرْطِهَا النِّيَّةُ، ففَسَدَتْ بِنِيَّةِ الخُرُوجِ منها، كالصلاةِ، ولأنَّ الأصْلَ اعْتِبارُ النِّيَّةِ فى جَمِيعِ أجْزَاءِ العِبادَةِ، ولكن لمَّا شَقَّ اعْتِبَارُ حَقِيقَتِها اعْتُبِرَ بَقاءُ حُكْمِها، وهو أنْ لا يَنْوِىَ قَطْعَها، فإذا نَوَاهُ زَالَتْ حَقِيقَةً وحُكْمًا، ففَسَدَ الصَّوْمُ لِزَوَالِ شَرْطِه. وما ذَكَرَهُ ابنُ حَامِدٍ لا يَطَّرِدُ في غيرِ رمضانَ، ولا يَصِحُّ القِياسُ على الحَجِّ، فإنَّه يَصِحُّ بالنِّيَّةِ المُطْلَقَةِ والمُبْهمَةِ، وبالنِّيَّةِ عن غَيْرِه إذا لم يَكُنْ حَجَّ عن نَفْسِه، فافْتَرَقَا.

فصل: فأمَّا صَوْمُ النَّافِلَةِ، فإنْ نَوَى الفِطْرَ، ثم لم يَنْوِ الصَّوْمَ بعدَ ذلك، لم يَصِحَّ صَوْمُه؛ لأنَّ النِّيَّةَ انْقَطَعَتْ، ولم تُوجَدْ نِيَّةٌ غيرَها، فأشْبَهَ مَن لم يَنْوِ أصْلًا.


(١) فى أ، ب، م: "شكه".
(٢) سورة التوبة ٦٥، ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>