للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خِفْنَا أخْذَهُم لها أو لم نَخَفْ. وبهذا قال الأوْزاعِىُّ، واللَّيْثُ، والشافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ. وقال أبو حَنِيفة، ومالكٌ: يجوزُ، لأنَّ فيه غَيْظًا لهم، وإضْعافًا لقُوَّتِهم، فأشْبَهَ قَتْلَها حالَ قِتالِهم. ولَنا، أنَّ أبا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رَضِىَ اللهُ عنه، قال فى وصِيَّتِه ليزيدَ حين بعَثَه أميرًا: يا يزيدُ، لاتقتُلْ صَبِيًّا، ولا امرأةً، ولا هَرِمًا، ولا تُخَرِّبَنَّ عامِرًا، ولا تَعْقِرَنَّ شجرًا مُثْمِرًا، ولا دَابَّةً عَجْماءَ، ولا شاةً، إلَّا لِمَأْكَلَةٍ، ولا تُحَرِّقَنَّ نَحْلًا، ولا تُغَرِّقَنَّهُ، ولا تَغْلُلْ، ولا تَجْبُنْ. ولأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ قتلِ شيْءٍ من الدَّوابِّ صَبْرًا. ولأنَّه حيوانٌ ذو حُرْمَةٍ، فأشْبَهَ النِّساءَ والصِّبْيَانَ. وأمَّا حالُ الحَرْبِ، فيجوزُ فيها قتلُ المشركين كيفَ أَمْكَن، بخلافِ حالِهم إذا قُدِرَ عليهم، ولهذا جازَ قتلُ النِّساءِ والصِّبْيانِ فى الْبَياتِ، وفى المَطْمُورَةِ، إذا لم يتعَمَّدْ قَتْلَهم مُنْفرِدين، بخلافِ حالَةِ القُدْرَةِ عليهم، وقتلُ بَهائِمِهم يتوَصَّلُ به إلى قَتْلِهم وهَزِيمَتِهم. وقد ذكرْنا حديثَ الْمَدَدِىِّ الذى عقَر بالرُّومِىِّ فَرسَه (٣). ورُوِىَ أنَّ حَنْظَلَةَ بن الرَّاهبِ، عَقَرَ فرَسَ أبى سفيانَ به يومَ أُحُدٍ، فرمَتْ به، فخلَّصَهُ ابنُ شَعُوب (٤). وليس فى هذا خِلافٌ.

فصل: فأمَّا عَقْرُها للأَكْلِ، فإنْ كانت الحاجَةُ داعِيَةً إليه، ولابُدَّ منه، فمباحٌ، بغيرِ خِلافٍ، لأنَّ الحاجَةَ تُبِيحُ مالَ المَعْصومِ، فمالُ الكافرِ أَوْلَى. وإن لم تكُنْ الحاجةُ داعيَةً إليه (٥)، نَظَرْنا؛ فإنْ كان الحيوانُ لا يُرادُ إلَّا للأَكْلِ، كالدَّجاجِ والْحَمامِ وسائِرِ الطَّيرِ والصَّيْدِ، فحكمُه حكمُ الطَّعامِ. فى قولِ الجميعِ، لأنَّه لا يُرادُ لغيرِ الأَكْلِ، وتَقِلُّ قِيمَتُه، فأشْبَهَ الطَّعامَ. وإنْ كان ممَّا يُحْتاجُ إليه فى القتالِ، كالخيلِ، لم يُبَحْ ذَبْحُه للأَكْلِ، فى قولِهم جميعًا. وإنْ كان غيرَ ذلك، كالغَنَمِ والبقرِ، لم يُبَحْ. فى قولِ الْخِرَقِىِّ. وقال القاضى: ظاهِرُ كلامِ أحمدَ إباحَتُه، لأنَّ هذا الحيوانَ مثلُ الطَّعامِ فى بابِ الأَكْلِ والقُوتِ، فكان مِثْلَه فى إباحَتِه. وإذا ذَبَحَ الحيوانَ، أَكَلَ لحمهُ، وليس له الانْتِفاعُ بجِلْدِه؛ لأنَّه إنَّما


(٣) تقدَّم فى صفحة ٦٦.
(٤) هو الأسود بن شعوب. وذكر القصة الواقدى، فى المغازى ١/ ٢٧٣. وذكر ابن حَجَر، فى تلخيص الحَبِير ٤/ ١١٢. أن البيهقى ذكرها من طريق الشافعى بغير إسناد.
(٥) سقط من: الأصل، ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>