للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَفْضُولَ مُصِيبٌ، لم يَمْنَعْ ذلك مِنْ تَقْلِيدِ الأفْضَلِ. فأمَّا إن اسْتَوَيَا عندَه، فله تَقْلِيدُ مَن شَاءَ منهما، كالعَامِّىِّ مع العُلَمَاءِ في بَقِيَّةِ الأحْكَامِ.

فصل: والمُقَلِّدُ مَنْ لا يُمْكِنُه الصلاةُ باجْتِهَادِ نَفْسِه، إمَّا لعَدَمَ بَصَرِهِ، وإمَّا لَعَدمِ بَصِيرَتِهِ، وهو العَامِّىُّ الذي لا يُمْكِنُه التَّعَلُّمُ والصلاةُ بِاجْتِهَادِهِ قَبْلَ خروجِ وقتِ الصلاةِ. فأمَّا مَن يُمْكِنُه، فإنَّه يَلْزَمُهُ التَّعَلُّمُ، فإنْ صلَّى قبلَ ذلك لم تَصِحَّ صلاتُه، لأنَّه قَدَرَ على الصلاةِ بِاجْتِهَادِهِ، فلم يصِحَّ بِالتَّقْلِيدِ كالمُجْتَهِدِ. ولا يَلْزَمُ على هذا العَامِّىِّ حيثُ لا يَلْزَمُه تَعَلُّم الفِقْهِ لِوَجْهَيْنِ: أحَدُهما، أنَّ الفِقْهَ ليس بِشَرْطٍ في صِحَّةِ الصلاةِ. والثَّانِى، أَنَّ مُدَّتَهُ تَطُولُ. فهو كالذى لا يَقْدِرُ على تَعَلُّمِ الأدِلَّةِ في مسألَتِنا. وإنْ أخَّرَ هذا التَّعَلُّمَ والصلاةَ إلى حالٍ يَضِيقُ وقْتُها عن التَّعَلُّمِ والاجْتِهَادِ، أو عن أحدِهما، صَحَّتْ صلاتُه بِالتَّقْلِيدِ، كالذى يَقْدِرُ على تَعَلُّمِ الفاتحةِ، فيَضِيقُ الوقتُ عن تَعَلُّمِها.

فصل: فإنْ كانَ المُجْتَهِدُ به رَمَدٌ، أو عَارِضٌ يَمْنَعُهُ رُؤْيَةَ الأدلَّةِ، فهو كالأعْمَى، في جوازِ التَّقْلِيدِ؛ لأنَّه عَاجِزٌ عن الاجتهادِ. وكذلكَ لو كانَ مَحْبُوسًا في مكَانٍ لا يَرَى فيه الأدلَّةَ، ولا يَجِدُ مُخْبِرًا إلَّا مُجْتَهِدًا آخَرَ في مكانٍ يَرَى العَلَامَاتِ فيه، فله تَقْلِيدُهُ؛ لأنَّه كالأعْمَى.

فصل: وإذَا شَرَعَ في الصلاةِ بِتَقْلِيدِ مُجْتَهِدٍ، فقال له قَائِلٌ: قد أخْطأْتَ القِبْلَةَ، وإنَّما القِبْلَةُ هكذا. وكانَ يُخْبِرُ عن يَقِينٍ، مِثْلَ مَن يقولُ: قد رأيتُ الشمسَ، أو الكَوَاكِبَ، وتيَقَّنْتُ أنَّكَ مُخْطِىءٌ. فإنه يَرْجِعُ إلى قولِه، ويَسْتَدِيرُ إلى الجِهَةِ التي أخْبَرَه أنَّها جِهَةُ الكَعْبَةِ؛ لأنَّه لو أخْبَرَ بذلك المُجْتَهِدَ الذي قَلَّدَهُ الأعْمَى، لَزِمَه قَبُولُ خَبَرِهِ، فالأعْمَى أولَى. وإنْ أَخْبَرَهُ عن اجْتِهَادِهِ، أو لَمْ يُبَيِّنْ له عن أَىِّ شيءٍ أخْبَرَهُ، ولم يَكُنْ في نفسِهِ أوْثَقَ مِن الأوَّلِ، مَضَى على ما هو عليه؛ لأنَّه شَرَعَ في الصلاةِ بدَلِيلٍ يَقِينًا، فلا يَزُولُ عنه بِالشَّكِّ. وإنْ كان الثَّانِى أوْثَقَ في نَفْسِه مِن الأوَّلِ، وقُلْنَا: لا يَتَعَيَّنُ عليهِ تَقْلِيدُ الأفْضلِ. فكذلك، وإنْ قُلْنَا: عليه تَقْلِيدُه خَاصَّةً، رَجَعَ إلى قَوْلِه، كالبَصِيرِ إذا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ في أثْنَاءِ صلاتِه.

<<  <  ج: ص:  >  >>