للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإذا دَخَلَ المُصَلِّى بَلَدًا نَاوِيًا لِلإِقَامَةِ فيهِ، لم يُصَلِّ بعدَ دُخُولِهِ إليه (٢٥) إلَّا صلاةَ المُقِيمِ. وإنْ دَخَلَهُ مُجْتَازًا بِه، غيرَ نَاوٍ لِلإِقَامَةِ فيهِ، ولا نَازِلٍ بِه، أو نَازِلًا بِهِ، ثُمَّ يَرْتَحِلُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ إقَامَةِ مُدَّةٍ يَلْزَمُه بها إتْمامُ الصلاةِ، اسْتَدَامَ الصَّلَاةَ مَا دَامَ سائِرًا، فإذا نَزَلَ فيه صَلَّى إلى القِبْلَةِ، وبَنَى على ما مَضَى مِن صَلاتِه، كَقَوْلِنَا في الخائِفِ إذا أَمِنَ في أثناءِ صَلَاتِه. ولو ابْتَدَأها، وهو نازِلٌ إلى القِبْلَةِ، ثم أرَادَ الرُّكُوبَ، أتَمَّ صَلَاتَهُ، ثم رَكِبَ. وقِيل: يَرْكَبُ في الصَّلَاةِ، ويُتِمُّها إلى جِهَةِ سَيْرِه، كالآمِنِ إذا خَافَ في أثناءِ صَلَاتِه. والفَرْقُ بينهما أنَّ حالَةَ الخَوْفِ حالَةُ ضَرُورَةٍ أُبيحَ فيها مَا يَحْتَاجُ إليهِ مِنَ العَمَلِ، وهذِهِ رُخْصَةٌ وَرَدَ الشَّرْعُ بها مِنْ غيرِ ضرورَةٍ إليها، فلا يُبَاحُ فيها غَيْرُ ما نُقِلَ فيها، ولم يَرِدْ بإِباحَةِ الرُّكُوبِ الذي يَحْتَاجُ فيه إلى عَمَلٍ وتَوَجُّهٍ إلى غيرِ جِهَةِ القِبْلَةِ ولا جِهَةِ سَيْرِهِ، فَبَقِىَ (٢٦) على الأصلِ. واللهُ تعالى أعلمُ.

١٣٤ - مسألة؛ قال: (وَلَا يُصَلِّى فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الحَالَتَيْنِ فَرْضًا وَلَا نَافِلَةً إلَّا مُتَوَجِّهًا إلَى الكَعْبَةِ؛ فإنْ كَانَ يُعَايِنُهَا فَبِالصَّوَابِ، وإنْ كانَ غَائِبًا عَنْهَا فَبِالاجْتِهَادِ بِالصَّوَابِ إلَى جِهَتِها)

قد ذكَرْنا أنَّ اسْتِقْبَال القِبْلَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، ولا فَرْقَ بين الفَرِيضَةِ والنَّافِلَة؛ لأنَّه شرطٌ للصلاةِ، فاسْتَوَى فيه الفَرْضُ والنَّفْلُ، كالطَّهَارَةِ والسِّتَارَةِ، ولأنَّ قولَه تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} عامٌّ فِيهِما جَمِيعًا. ثم إنْ كان مُعَايِنًا لِلْكَعْبَةِ، ففَرْضُهُ الصلاةُ إلى عَيْنِها. لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. قال ابْنُ عَقِيلٍ؛ إنْ خَرَجَ بَعْضُه عن مُسَامَتَةِ الكَعْبَة لم تَصِحَّ صَلَاتُه. وقال بعضُ أصحابِنا: الناسُ في اسْتِقْبَالِهَا على أرْبَعَةِ أضْرُبٍ: منهم مَنْ يَلْزَمُهُ اليَقِينُ، وهو مَنْ كانَ مُعَايِنًا لِلْكَعْبَةِ، أو كانَ بمَكَّةَ مِنْ أهلِها، أو نَاشِئًا بها مِنْ ورَاءِ حائِلٍ مُحْدَثٍ كالحِيطَانِ، فَفَرْضُهُ التَّوَجُّهُ إلى عَيْنِ الكَعْبَةِ يَقِينًا. وهكذا إنْ كان بِمسجِدِ النَّبِيِّ


(٢٥) سقط من: م.
(٢٦) في م: "فيبقى".

<<  <  ج: ص:  >  >>