للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-صلى اللَّه عليه وسلم-، لأنَّهُ مُتَيَقِّنٌ صِحَّةَ قِبْلَتِهِ، فَإنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَا يُقَرُّ على الخَطَإِ، وقد رَوَى أُسَامَةُ أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَكَعَ (١) رَكْعَتَيْنِ، قُبُلَ القِبْلَةِ، وقالَ: "هَذِهِ القِبْلَةُ" (٢). الثَّانِى، مَنْ فَرْضُهُ الخَبَرُ، وهو مَنْ كانَ بِمَكَّةَ غائِبًا عن الكَعْبَةِ مِنْ غيرِ أهلِها، ووَجَدَ مُخْبِرًا يُخْبِرُه عن يقِينٍ أو مُشَاهَدَةٍ، مِثْلَ أنْ يكونَ مِنْ ورَاءِ حَائِلٍ، وعلى الحائِلِ مَنْ يُخْبِرُه، أو كان غَرِيبًا نَزَلَ بِمَكَّةَ، فأخْبَرَهُ أهلُ الدَّارِ، وكذلِكَ لو كان في مِصْرٍ أو قَرْيَةٍ، ففَرْضُه التَّوَجُّهُ إلى مَحَارِيبِهِم وقِبْلَتِهِمْ المَنْصُوبَةِ؛ لأنَّ هذه القِبَلَ يَنْصِبُها أَهْلُ الخِبْرَةِ والمَعْرِفَة، فجَرَى ذلك مَجْرَى الخَبَرِ، فأغْنَى عن الاجْتِهَادِ، وإنْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ مِنْ أَهْلِ المَعْرِفَةِ بالقِبْلَةِ؛ إمَّا من أهلِ البَلَدِ، أو مِن غيرِه، صارَ إلى خَبَرِهِ، وليس له الاجْتِهَادُ، كما يَقْبَلُ الحَاكِمُ النَّصَّ مِن الثِّقَةِ، ولا يَجْتَهِدُ. الثَّالِثُ، مَنْ فَرْضُه الاجْتِهَادُ، وهو مَنْ عَدِمَ هَاتَيْنِ الحَالَتَيْنِ، وهو عَالِمٌ بالأدِلَّةِ. الرَّابِعُ، مَنْ فَرْضُه التَّقْلِيدُ، وهو الأعْمَى ومَن لا اجْتِهادَ له، وعَدِمَ الحَالَيْنِ، ففَرْضُه تَقْلِيدُ المُجْتَهِدِينَ. والوَاجِبُ على هذينِ وسائِرِ من بَعُدَ من مَكَّةَ طَلَبُ جهَة الكَعْبَةِ، دونَ إصابة العَيْنِ. قال أحمدُ: ما بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ قِبْلَةٌ، فإن انْحَرَفَ عن القبلةِ قَلِيلًا لم يُعِدْ، ولكن يَتَحَرَّى الوَسَطَ. وبهذا قال أبو حنيفة. وقال الشَّافعىُّ، في أحَدِ قولَيْهِ كقَوْلِنا، والآخَرِ: الفَرْضُ إصابَةُ العَيْنِ؛ لِقوْلِ اللهِ تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} لأنَّهُ يَجِبُ عليه التَّوَجُّهُ إلى الكَعْبَةِ، فَلَزِمَهُ التَّوَجُّهُ إلى عَيْنِها، كالمُعَايِنِ، ولَنا، قَوْلُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ قِبْلَةٌ". رواهُ التِّرْمِذِىُّ (٣)، وقال: حديثٌ حسنٌ صَحِيحٌ. وظاهِرُهُ أنَّ جميعَ ما بينهما قِبْلَةٌ. ولأنَّه لو كانَ الفَرْضُ


(١) في م: "صلى".
(٢) أخرجه مسلم، في: باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره. . . إلخ، من كتاب الحج. صحيح مسلم ٢/ ٩٦٨. والنسائي، في: باب وضع الصدر والوجه على ما استقبل من دبر الكعبة، من كتاب المناسك. المجتبى ٥/ ١٧٤. والإِمام أحمد، في: المسند ٥/ ٢٠١، ٢٠٨، ٢٠٩، ٢١٠.
(٣) في: باب ما جاء أن بين المشرق والمغرب قبلة، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذي ٤/ ١٣٧ - ١٤٣. كما أخرجه ابن ماجه، في: باب القبلة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه ١/ ٣٢٣. والإِمام مالك، عن عمر بن الخطاب يرفعه، في: باب ما جاء في القبلة، من كتاب القبلة. الموطأ ١/ ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>