للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إجْمَاعًا، ذَكَرَه الإِمامُ أحمدُ وابنُ المُنْذِرِ؛ لأنَّ الصلاةَ تَعَيَّنَ عليه فِعْلُها أرْبَعًا، فلم يَجُزْ له النُّقْصَانُ مِن عَدَدِها، كما لو [لم يُسافِرْ] (٣)، ولأنَّه إنَّما يَقْضِى ما فَاتَه، وقد فَاتَه أرْبَعٌ. وأمَّا إن نَسِىَ صلاةَ السَّفَرِ، فذَكَرَها في الحَضَرِ، فقال أحمدُ: عليه الإِتْمَامُ احْتِيَاطًا. وبه قال الأوْزَاعِىُّ، ودَاوُدُ، والشَّافِعِىُّ في أحَدِ قَوْلَيْه. وقال مالِكٌ، والثَّوْرِيُّ، وأصْحَابُ الرَّأْىِ: يُصَلِّيها صلاةَ سَفَرٍ؛ لأنَّه إنَّما يَقْضِى ما فَاتَه، ولم يَفُتْه إلَّا رَكْعَتانِ. ولَنا، أنَّ القَصْرَ رُخْصَةٌ من رُخَصِ السَّفَرَ، فيَبْطُلُ بِزَوَالِه، كالمَسْحِ ثَلَاثًا. ولأنَّها وَجَبَتْ عليه في الحَضَرِ، بدَلِيلِ قولِه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَلْيُصَلِّها إذَا ذَكَرَهَا". ولأنَّها عِبَادَةٌ تَخْتَلِفُ بالحَضَرِ والسَّفَرِ، فإذا وُجِدَ أحَدُ طَرَفَيْها في الحَضَرِ، غلَب فيها حُكْمُه، كما لو دَخَلَتْ به السَّفِينَةُ البَلَدَ في أثْناء الصلاةِ، وكالمَسْحِ. وقِيَاسُهُمْ يَنْتَقِضُ بالجُمُعَةِ (٤) إذا فاتَتْ، وبالمُتَيَمِّمِ إذا فَاتَتْه الصَّلَاةُ، فقَضاها عندَ وُجُودِ الماءِ.

فصل: وإن نَسِيَها في سَفَرٍ، فذَكَرَها فيه، قَضَاها مَقْصُورَةً، لأنَّها وَجَبَتْ في السَّفَرِ، وفُعِلَتْ فيه، أشبَهَ ما لو صَلَّاهَا في وَقْتِها. وإن ذَكَرَها في سَفَرٍ آخَرَ، فكذلك؛ لما ذَكَرْنَا. وسَوَاءٌ ذَكَرَها في الحَضَرِ أو لم يَذْكُرْها. ويَحْتَمِلُ أنَّه إذا (٥) ذَكَرَها في الحَضَرِ لَزِمَتْهُ تَامَّةً؛ لأنَّه وَجَبَ عليه فِعْلُها تَامَّةً بِذِكْرِه إيَّاها. فَبَقِيَتْ في ذِمَّتِه. والأوَّلُ أوْلَى؛ لأنَّ وُجُوبَها وفِعْلَها في السَّفَرِ، فكانَتْ صلاةَ سَفَرٍ، كما لو لم يَذْكُرْها في الحَضَرِ. وذَكَرَ بعضُ أصْحَابِنا، أنَّ مِن شَرْطِ القَصْرِ كَوْنَ الصلاةِ مُؤَدَّاةً؛ لأنَّها صلاةٌ مَقْصُورَةٌ، فاشْتُرِطَ لها الوَقْتُ، كالجُمُعَةِ. وهذا فاسِدٌ؛ فإنَّ هذا اشْتِرَاطٌ بالرَّأْىِ والتَّحَكُّمِ لم يَرِد الشَّرْعُ به، والقِياسُ على الجُمُعَةِ غيرُ


(٣) في أ، م: "سافر".
(٤) في أ، م: "الجمعة".
(٥) في أ، م: "إن".

<<  <  ج: ص:  >  >>