عبدِ اللهِ: الجَمْعُ بين الظُّهْرِ والعَصْرِ في المَطَرِ؟ قال: لا، ما سَمِعْتُ. وهذا اخْتِيَارُ أبى بكرٍ، وابن حامِدٍ، وقولُ مالِكٍ. وقال أبو الحسنِ التَّمِيمِىُّ: فيه قَوْلَانِ، أحَدُهما أنه لا بَأسَ به. وهو قولُ أبى الخَطَّابِ، ومَذهبُ الشَّافِعِىِّ؛ لما رَوَى يحيى بن وَاضِحٍ، عن موسى بن عُقْبَةَ، عن نافِعٍ، عن ابنِ عمرَ، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جَمَعَ في المَدِينَةِ بين الظُّهْرِ والعَصْرِ في المَطَرِ (٣٠). ولأنَّه مَعْنًى أبَاحَ الجَمْعَ، فأبَاحَهُ بين الظُّهْرِ والعَصْرِ، كالسَّفَرِ. ولنَا، أنَّ مُسْتَنَدَ الجَمْعِ ما ذَكَرْنَاه مِن قَوْلِ أبى سَلَمَةَ، والإِجْمَاعِ، ولم يَردْ إلَّا في المَغْرِبِ والعِشَاءِ، وحَدِيثُهم غيرُ صَحِيحٍ؛ فإنَّه غيرُ مَذْكُورٍ في الصِّحَاحِ والسُّنَنِ. وقولُ أحمدَ: ما سَمِعْتُ. يَدُلُّ على أنَّه ليس بِشىءٍ، ولا يَصِحُّ القِيَاسُ على المَغْرِبِ والعِشَاءِ؛ لما فيهما من المَشَقَّةِ لأجْلِ الظُّلْمَةِ والمَضَرَّةِ، ولا القِيَاسُ على السَّفَرِ؛ لأنَّ مَشَقّتَه لأجْلِ السَّيْرِ وفَوَاتِ الرُّفْقَةِ، وهو غيرُ مَوْجُودٍ ها هُنا.
فصل: والمَطَرُ المُبِيحُ لِلْجَمْعِ هو ما يَبُلُّ الثِّيَابَ، وتَلْحَقُ المَشَقَّةُ بالخُرُوجِ فيه. وأمَّا الطَّلُّ، والمَطَرُ الخَفِيفُ الذي لا يَبُلُّ الثِّيَابَ، فلا يُبِيحُ، والثَّلْجُ كالمَطَرِ في ذلك، لأنَّه في معناه، وكذلك البَرَدُ.
فصل: فأمَّا الوَحْلُ بمُجَرَّدِه. فقال القاضي: قال أصْحابُنا: هو عُذْرٌ؛ لأنَّ المَشَقَّةَ تَلْحَقُ بذلك في النِّعَالِ والثِّيَابِ، كما تَلْحَقُ بالمَطَرِ. وهو قولُ مالِكٍ. وذَكَرَ أبو الخَطَّابِ فيه وَجْهًا ثانِيًا، أنَّه لا يُبِيحُ. وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِىِّ، وأبى ثَوْرٍ؛ لأنَّ مَشَقَّتَه دُونَ مَشَقَّةِ المَطَرِ، فإنَّ المَطَرَ يَبُلُّ النِّعالَ والثِّيابَ، والوَحْلُ لا يَبُلُّها، فلم يَصِحَّ قِيَاسُه عليه. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ الوَحْلَ يُلَوِّثُ الثِّيابَ والنِّعالَ، ويَتَعَرَّضُ الإِنْسَانُ لِلزَّلق، فيَتَأذَّى نَفْسُه وثِيابُه، وذلك أعْظَمُ من البَلَلِ، وقد سَاوَى
(٣٠) أخرجه عبد الرزاق، في: باب جمع الصلاة في الحضر، من كتاب الصلاة. المصنف ٢/ ٥٥٦. وانظر: تلخيص الحبير لابن حجر حديث رقم "٦١٥".