للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يَضْمَنُ إذا تَلِفَ مع مَتَاعِه، ولأنَّه إذا لم يكُنْ منه تَفْرِيطٌ ولا عُدْوانٌ، فلا يَجبُ عليه الضَّمانُ، كما لو تَلِفَتْ بأمْرٍ غالِبٍ. وقال مالِكٌ، وابنُ أبي لَيْلَى: يَضْمَنُ بكلِّ حالٍ؛ لقولِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عَلَى اليَدِ ما أخَذَتْ حَتَى تؤَدِّيَهُ" (٢). ولأنَّه قَبَضَ العَيْنَ لِمَنْفَعةِ نَفْسِه من غيرِ اسْتحْقاقٍ، فلَزِمَهُ ضَمَانُها، كالمُسْتَعِيرِ. ولَنا، أنَّها عَيْنٌ مَقْبُوضةٌ بِعَقْدِ الإِجَارةِ، لم يُتْلِفها بفِعْلِه، فلم يَضْمَنْها، كالعَيْنِ المُسْتَأْجرةِ، ولأنَّه قَبَضَها بإذْنِ مالِكِها لِنَفْعٍ يَعُودُ إليهما، فلم يَضْمَنْها، كالمُضَارِبِ والشَّرِيكِ والمُسْتَأْجِرِ، وكما لو تَلِفَتْ بأمْرٍ غالِبٍ. ويُخَالِفُ العارِيّةَ، فإنَّه يَنْفَرِدُ بِنَفْعِها. والخَبَرُ مَخْصُوصٌ بما ذَكَرْنا من الأُصُولِ، فيَخُصُّ مَحلَّ النِّزَاعِ بالقِيَاسِ عليها. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه لا أجْرَ له فيما عَمِلَ فيها؛ لأنَّه لم يُسَلِّمْ عَمَلَه إلى المُسْتَأْجِرِ، فلم يَسْتَحِقَّ عِوَضَه، كالمَبِيعِ من الطَّعَامِ إذا تَلِفَ في يَدِ البائِع قبلَ تَسْلِيمِه.

فصل (٣): وإذا حَبَسَ الصانِعُ الثَّوْبَ بعدَ عَمَلِه، على اسْتِيفاءِ الأجْرِ، فتَلِفَ، ضَمِنَه؛ لأنَّه لم يَرْهَنْه عندَه، ولا أذِنَ له في إمْساكِه، فلَزِمَهُ الضَّمَانُ، كالغاصِبِ.

فصل: إذا أخْطأَ القَصَّارُ، فدَفَعَ الثَّوْبَ إلى غيرِ مالِكِه، فعليه ضَمَانُه؛ لأنَّه فَوَّتَه على مالِكِه. قال أحمدُ: يَغْرَمُ القَصَّارُ، ولا يسَعُ المَدْفُوعَ إليه لُبْسُه إذا عَلِمَ أنَّه ليس ثَوْبَه، وعليه رَدُّه إلى القَصَّارِ، ويُطَالِبُه بِثَوْبِه. فإن لم يَعْلَم القابِضُ حتى قَطَعَه ولَبِسَه، ثم عَلِمَ، رَدَّهُ مَقْطُوعًا، وضَمِنَ أرْشَ القَطْعِ، وله مُطَالَبَتُه بِثَوْبِه إن كان مَوْجُودًا. وإن هَلَكَ عندَ القَصَّارِ، فهل يَضْمَنُه؟ فيه رِوَايَتانِ؛ إحْداهما، يَضْمَنُه؛ لأنَّه أمْسَكَه بغيرِ إذْنِ صَاحِبِه بعدَ طَلَبِه، فضَمِنَه، كما لو عَلِمَ. والثانية، لا يَضْمَنُه؛ لأنَّه لم يُمْكِنْه رَدُّه، فأشْبَهَ ما لو عَجزَ عن دَفْعِه لِمَرَضٍ.

فصل: والعَيْنُ المُسْتَأْجَرَةُ أمانةٌ في يَدِ المُسْتَأْجِرِ، إن تَلِفَتْ بغيرِ تَفْرِيطٍ، لم يَضْمَنْها. قال الأثْرَمُ: سَمِعْتُ أبا عبدِ اللَّه يُسْألُ عن الذين يُكْرُونَ الْمَظَلَّ (٤) أو


(٢) تقدم تخريجه في: ٧/ ٣٤٢.
(٣) سقط هذا الفصل كله من: ب.
(٤) في الأصل: "الظل".

<<  <  ج: ص:  >  >>