للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمرُ منه ما عَجَزَ عن إحْيائِه من العَقِيقِ، الذي أقْطَعَه إيَّاهُ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (٤٨)، ولو مَلَكَه لم يَجُزْ اسْتِرْجَاعُه. ورَدَّ عُمَرُ أيضًا قَطِيعَةَ أبى بَكْرٍ لِعُيَيْنةَ بن حِصْنٍ، فسَأَلَ عُيَيْنَةُ أبا بَكرٍ أن يُجَدِّدَ له كِتَابًا فقال: واللَّه لا أُجَدِّدُ شيئا رَدَّهُ عمرُ. رَوَاهُ أبو عُبَيْدٍ (٤٩). لكنَّ المُقْطَعَ يَصِيرُ أحَقَّ به من سائِرِ الناسِ، وأَوْلَى بإحْيائِه، فإنْ أحْيَاهُ، وإلَّا قال له السُّلْطانُ: إن أحْيَيْتَه، وإلَّا فَارْفَعْ يَدَكَ عنه. كما قال عُمَرُ لِبِلَالِ بن الحارِثِ المُزَنِيِّ: إنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُقْطِعْكَ لِتَحْجُبَهُ دون الناسِ، وإنَّما أقْطَعَكَ لِتُعَمِّرَ، فخُذْ منها ما قَدَرْتَ على عِمَارَتِه، ورُدَّ الباقِىَ. وإن طَلَبَ المُهْلةَ لِعُذْرٍ، أُمْهِلَ بِقَدْرِ ذلك. وإن طَلَبها لغيرِ عُذْرٍ، لم يُمْهَلْ، على ما ذَكَرْنا في المُتَحَجِّرِ. وإن سَبَقَ غيرُه فأحْيَاهُ قبلَ أن يُقَالَ له شيءٌ، أو في مُدَّةِ المُهْلَةِ، فهل يَمْلِكُه؟ على وَجْهَيْنِ. وقد رُوِىَ عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ، أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَقْطَعَ ناسًا من جُهَيْنةَ أو مُزَيْنَةَ أرْضًا، فعَطَّلُوها، فجاءَ قَوْمٌ فأَحْيَوْها، فخاصَمَهُم الذين أقْطَعَهُم رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى عمرَ، رَضِىَ اللَّه عنه، فقال عمرُ: لو كانت قَطِيعةً مِنِّى، أو من أبى بكرٍ، لم أَرُدَّها، ولكنَّها قَطِيعةٌ من رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأنا أَرُدُّها! فدَلَّ هذا على أنها إذا كانت قَطِيعةً من غيرِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فهى لمن أَحْياهَا. والثانى، لا يَمْلِكُه؛ لأنَّه تَعَلَّقَ به حَقُّ المُقْطَعِ، ومَفْهُومُ قولِه عليه السلام: "مَنْ أحْيَا أَرْضًا مَيْتةً فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ، فَهِىَ لَهُ". أنَّه إذا تَعَلَّقَ بها حَقُّ مُسْلِمٍ، لم يَجُزْ إحْيَاؤُها. وقد ذَكَرْنا الوَجْهَيْنِ في المُتَحَجِّرِ، وهذا مثله. ومذهبُ الشافِعِىِّ في هذا الفَصْلِ كنَحْوِ ما ذَكَرْنَا.

فصل: وليس للإِمَامِ إقْطَاعُ ما لا يجوزُ إحْياؤُه من المعَادِنِ الظاهِرَةِ؛ لأنّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لمَّا اسْتَقْطَعَهُ أبيضُ بن حَمَّالٍ المِلْحَ الذي بمَأْرِبٍ، فقيل: يا رسولَ اللَّه: إنَّما أقْطَعْتَه


(٤٨) تقدم تخريجه في صفحة ١٥٣.
(٤٩) الأموال ٢٧٦، ٢٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>