للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَنْوِ به الطَّلاقَ، لم يقَعْ شىءٌ؛ لأنَّ الخُلْعَ بغيرِ عِوَضٍ لا يقَعُ على إحْدَى الرِّوايتَيْنِ، وعلى الرِّوايةِ الأُخْرَى، إنَّما رَضِىَ بالفسخِ ههُنا بالعِوَضِ، فإذا لم يحْصُلْ له العِوَضُ، لا يحصُلُ المُعَوَّضُ. وقال مالكٌ: إن أخذَ مها شيئًا على هذا الوجهِ، ردَّه، ومَضَى الخُلْعُ عليه. ويَتَخَرَّجُ لنا مثلُ ذلك إذا قُلْنا: يَصِحُّ الخُلعُ بغيرِ عِوضٍ.

فصل: فأمَّا إن ضَربَها على نُشُوزِها، ومَنَعَها حقَّها، لم يَحْرُمْ خُلْعُها لذلك؛ لأنَّ ذلك لا يمنعُهما أن لا (١٦) يخافا أن لا يُقيما حُدودَ اللَّهِ. وفى بعض حديثِ حَبيبة، أنَّها كانت تحتَ ثابتِ بنِ قيسٍ، فضربَها، فكسرَ ضِلَعَها (١٧)، فأتتِ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فدَعَا النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ثابتًا، فقال: "خُذْ بَعْضَ مَالِهَا، وَفَارِقْهَا". فَفَعَلَ. رواه أبو داودَ (١٨). وهكذا لو ضرَبها ظُلْمًا؛ لسُوءِ خُلُقِه أو غيرِه، لا يُريدُ بذلك أن تفْتَدِىَ نفسَها، لم يحْرُمْ عليه مُخالعتُها؛ لأنَّه لم يَعْضُلْها ليَذْهبَ ببعض ما آتاها، ولكن عليه إثمُ الظُّلمِ.

فصل: فإن أتتْ بفاحِشَةٍ، فعضَلَها لتفْتَدِىَ نفسَها منه، ففعَلتْ، صحَّ الخُلْعُ؛ لقول اللَّه تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}. والاسْتِثْناءُ مِنَ النَّهْىِ إباحةٌ، ولأنَّها متى زنَتْ، لم يأمَنْ أن تُلحِقَ به ولدًا من غيرِه، وتُفْسِدَ فِراشَه، ولا (١٩) تُقيمَ حدودَ اللَّهِ فى حقِّه، فتَدخلَ فى قولِ اللَّه تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}. وهذا أَحدُ قَوْلَى الشَّافعىِّ، والقولُ الآخرُ: لا يصحُّ؛ لأنَّه عِوَضٌ أكْرِهتْ عليه، أشْبَهَ ما لو لم تَزْنِ. والنَّصُّ أوْلَى.

فصل: إذا خَالَعَ زوجتَه، أو بارأَها بِعِوضٍ، فإنَّهما يتراجَعانِ بما بينهما مِنَ


(١٦) سقط من: ب، م.
(١٧) فى أ: "بعضها".
(١٨) تقدم تخريجه فى صفحة ٢٦٧.
(١٩) فى أ، ب، م: "فلا".

<<  <  ج: ص:  >  >>