للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"مُوطَّإِه" (٢). ولأنَّ العَيْنيْنِ مِنْ أعْظمِ الجوارح نَفْعًا وجَمالًا؛ فكانتْ فيهما الدِّيَةُ، وفى إحداهُما نِصْفُها كاليَديْنِ. إذا ثبت هذا، فلا فَرْقَ بينَ أنْ يكونا كَبِيرتَيْن أو صَغِيرتَيْن، أو مَليحَتَيْنِ أوْ قَبيحَتَيْنِ، أو صَحِيحَتَينِ أو مَريضَتَينِ، أو حَوْلَاوَيْنِ أو رَمِضَتَيْنِ. فَإنْ كان فيهما بَياضٌ لَا يَنْقُصُ الْبَصَرَ، لَمْ تَنْقُصِ الدِّيَةُ، وإنْ نَقَصَ الْبصرَ نَقَصَ (٣) من الدِّيةِ بقَدْرِهِ. وفى ذَهَابِ الْبصرِ الدِّيَةُ؛ لأنَّ كلَّ عُضْوَيْنِ وجَبَتِ الدِّيَةُ بذَهابِهما، وجَبَتْ بإذْهابِ نَفْعِهما، كالْيَدَيْنِ إذا أشْلَّهما. وفى ذهاب بَصرِ أَحَدِهما نصْفُ الدِّيَةِ، كما لو أشَلَّ يَدًا واحدةً، وليس في إذهابِهما بنفْعِها أكثَرُ مِن دِيَةٍ، كاليَديْنِ.

فصل: وإنْ جَنى على رأْسِه جنايةً ذهَبَ بها بصرهُ، فَعَليْهِ ديَتُه؛ لأنَّه ذهب بسبَبِ جِنَايتِهِ، وإنْ لمْ يذهَبْ بها، فدَاواها، فذهَبَ بالمُداواةِ، فعليهِ دِيَتُه؛ لأنَّه ذهَبَ بسببِ فِعْلِه. وإن اخْتَلفوا في ذَهَابِ البصَرِ، رُجِعَ إلى اثْنَيْنِ عَدْليْنِ مسلمَينِ من أهْلِ الخِبْرةِ؛ لأنَّ لَهما طَريقًا إلى مَعْرفةِ ذلك، لمُشاهَدَتِهما العيْنَ التي هي مَحَلُّ البصرِ، وَمَعْرفةً بحَالِها، بخلافِ السَّمْعِ، وإنْ لَمْ يُوجدْ أهْلُ الخِبْرةِ، أوْ تَعَذَّرَ مَعْرفةُ ذلك، اعْتُبِرَ بأنْ يُوقَفَ في عَيْنِ الشَّمْسِ، ويُقَرَّبَ الشىءُ مِن عَينِه في أوقاتِ غَفْلتِه؛ فإنْ طَرَفَ عَيْنُه، وخافَ مِن الذي يُخَوَّفُ به، فهو كاذِبٌ، وإلَّا حُكِم له. وإذا عُلِمَ ذَهابُ بصرِه، وقال أهلُ الخِبْرةِ: لَا يُرْجَى عَوْدُه. وَجَبتِ الدِّيَةُ. وإنْ قالوا: يُرْجَى عَودُه إلى مُدَّةٍ عَيَّنُوها، انْتُظِرَ إليها، وَلم يُعْطَ الدِّيَةَ حتى تَنْقَضِىَ المُدَّةُ، فإنْ عَادَ البصرُ، سَقَطتْ عن الجانى، وإنْ لمْ يَعُد، اسْتقرَّت الدِّيَةُ. وإنْ مَاتَ المَجْنِىُّ عليه قَبْلَ العَوْدِ، استقرَّتِ الدِّيَةُ، سَواءٌ مات في المُدَّةِ أو بَعْدَها. فإنِ ادَّعَى الجانى عَوْدَ بَصَرِه قَبْلَ مَوْتِهِ وأنْكَر وارثُهُ، فالقولُ قَولُ الْوارِثِ؛ لأنَّ الأصْلَ معه. وإنْ جَاءَ أجْنَبِىٌ، فَقَلعَ عَينَهُ في المُدَّةِ،


(٢) في: باب ذكر العقول، من كتاب العقول. الموطأ ٢/ ٨٤٩.
كما أخرجه النسائي، في: باب ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول، من كتاب القسامة. المجتبى ٨/ ٥٣، ٥٤. والإِمام أحمد، في: المسند ٢/ ٢١٧، ٢٢٤.
(٣) سقط من: ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>