للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدٌّ؛ لأنَّه حَقٌّ لآدَمِىٍّ، فَصَحَّتِ الكَفَالَةُ به، كسَائِر حُقُوقِ الآدَمِيِّينَ. ولَنا، ما رُوِىَ عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ، عن أبِيهِ، عن جَدِّه، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "لا كَفَالَةَ في حَدٍّ" (٩). ولأنَّه حَدٌّ، فلم تَصِحَّ الكَفالةُ فيه كحُدُودِ اللَّه تعالى، ولأنَّ الكَفَالةَ اسْتِيثاقٌ، والحُدُودُ مَبْناها على الإِسْقاطِ والدَّرْء بالشُّبُهاتِ، فلا يَدْخُلُ فيها الاسْتِيثاقُ، ولأنَّه حَقٌّ لا يَجوزُ اسْتِيفاؤُه من الكَفِيلِ إذا تَعَذَّرَ عليه إحْضَارُ المَكْفُولِ به، فلم تَصِحَّ الكَفَالَةُ بمَن هو عليه، كَحَدِّ الزِّنَى.

فصل: ولا تجوزُ الكَفالةُ بالمُكاتَبِ من أَجْلِ دَيْنِ الكِتابةِ؛ لأنَّ الحُضُورَ لا يَلْزَمُه. فلا تجوزُ الكَفالةُ به، كدَيْنِ الكِتابةِ.

فصل: وتَصِحُّ الكَفالةُ حَالَّةً ومُؤَجَّلَةً، كما يَصِحُّ الضَّمانُ حَالًّا ومُؤَجَّلًا، وإذا أطْلَقَ كانت حَالَّةً؛ لأنَّ كلَّ عَقْدٍ يَدْخُلُه الحُلُولُ اقْتَضَى إطْلَاقُه الحُلُولَ، كالثَّمَنِ والضَّمَانِ، فإذا تَكَفَّلَ حَالًّا كان له مُطَالَبَتُه بإِحْضَارِه، فإن أحْضَرَه وهناك يَدٌ حَائِلَةٌ ظَالِمةٌ لم يَبْرَأْ منه، ولم يَلْزَمِ المَكْفُولَ له تَسَلُّمُهُ (١٠)؛ لأنَّه لا يَحْصُلُ له غَرَضُه. وإن لم يكُنْ يَدٌ حَائِلَةٌ، لَزِمَهُ قَبُولُه، فإن قَبِلَهُ بَرِئَ من الكَفَالَةِ. وقال ابنُ أبي موسى: لا يَبْرَأُ حتى يقولَ: قد بَرِئْتُ إليك منه. أو قد سَلَّمْتُه إليك. أو قد أخْرَجْتُ نَفْسِى من كَفَالَتِه. والصَّحِيحُ الأَوَّلُ؛ لأنَّه عَقْدٌ على عَمَلٍ، فبَرِئَ منه بالعَمَلِ المَعْقُودِ عليه، كالإِجَارَةِ. فإن امْتَنَعَ من تَسَلُّمِه بَرِئَ؛ لأنَّه أحْضَرَ ما يَجِبُ تَسْلِيمُه [عندَ غَرِيمِه وطَلَبَ منه تَسَلُّمَهُ] (١١) على وَجْهٍ لا ضَرَرَ في قَبْضِه، فبَرِئَ منه [كالمُسْلَمِ فيه] (١٢). وقال بعضُ أصْحَابِنا: إذا امْتَنَعَ من تَسَلُّمِه، أَشْهَدَ على امْتِنَاعِه رَجُلَيْنِ، وبَرِئَ، لأنَّه فَعَلَ ما وَقَعَ


(٩) أخرجه البيهقي، في: باب ما جاء في الكفالة ببدن من عليه حق، من كتاب الضمان. السنن الكبرى ٦/ ٧٧.
(١٠) في أ: "تسليمه".
(١١) سقط من: أ.
(١٢) في أ: "كما لو تسلم منه".

<<  <  ج: ص:  >  >>