للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالكُلِّيَّةِ. فإنْ قِيلَ: فليس في هذا ما يَلْزَمُ منه الوَقْفُ؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ أنَّه تَرَكَها لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً، فيكون فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ، والإِمامُ نَائِبُهُم، فيَفْعَلُ ما يَرَى فيه المَصْلَحَةَ، مِن بَيْعٍ أو غَيْرِه، ويَحْتَمِلُ أنَّه تَرَكَها لأرْبَابِها، كفِعْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ. قُلْنا: أمَّا الأوَّلُ فلا يَصِحُّ؛ لأنَّ عمرَ إنَّما تَرَكَ قِسْمَتَها لِتَكُونَ مَادَّةً لِلْمُسْلِمِينَ كلِّهم، يَنْتَفِعُونَ بها، مع بَقَاءِ أصْلِها، وهذا مَعْنَى الوَقْفِ، ولو جازَ تَخْصِيصُ قَوْمٍ بأصْلِها لَكان الذين افْتَتَحُوهَا أحَقَّ بها، فلا يجوزُ أن يَمْنَعَها أهْلَها لِمَفسَدَةٍ، ثم يَخُصُّ بها غَيْرَهم مع وُجُودِ المَفْسَدَةِ المَانِعَةِ. والثاني أظْهَرُ فَسَادًا من الأَوَّل، فإنَّه إذا مَنَعَها المُسْلِمِينَ المُسْتَحِقِّينَ، كيف يَخُصُّ بها أهْلَ الذِّمَّةِ المُشْرِكِينَ الذين لا حَقَّ لهم ولا نَصِيبَ؟

فصل: وإذا قُلْنَا بِصِحَّةِ الشِّرَاءِ، فإنَّها تكونُ في يَدِ المُشْتَرِى على ما كانتْ في يَدِ البَائِعِ، يُؤَدِّى خَرَاجَها، ويكونُ مَعْنَى الشِّرَاءِ هاهُنا نَقْلَ اليَدِ من البَائِعِ إلى المُشْتَرِى بِعِوَضٍ. وإن شَرَطَ الخَرَاجَ على البائِعِ كما فَعَلَ ابنُ مسعودٍ، فيكون اكْتِرَاءً لا شِرَاءً، ويَنْبَغِى أن يَشْتَرِطَ بَيَانَ مُدَّتِهِ، كسَائِر الإِجارَاتِ.

فصل: وإذا بِيعَتْ هذه الأرْضُ، فحَكَمَ بِصِحَّةِ البَيْعِ حاكِمٌ، صَحَّ؛ لأنَّه مُختَلَفٌ فيه، فَصَحَّ بِحُكْمِ الحاكِمِ، كسائِر المُجْتَهَداتِ. وإن باعَ الإِمامُ شيئًا لِمَصْلَحَةٍ رآهَا، مثل أن يكونَ في الأرْضِ ما يَحْتَاجُ إلى عِمارَةٍ لا يَعْمُرُهَا إلَّا من يَشْتَرِيهَا، صَحَّ أيضا؛ لأن فِعْلَ الإِمامِ كَحُكْمِ الحاكِمِ. وقد ذَكَرَ ابنُ عَائِذٍ (٦٢)، في كِتابِ "فُتُوحِ الشَّامِ"، قال: قال غيرُ واحِدٍ من مَشْيَخَتِنَا: إن النَّاسَ سَألُوا عبدَ المَلِكِ، والوَلِيدَ، وسليمان (٦٣)، أنْ يَأْذَنُوا لهم في شِراءِ الأرْضِ من أهْلِ


(٦٢) محمد بن عائذ بن عبد الرحمن الدمشقى الكاتب، ولى خراج غوطة دمشق للمأمون، وتوفى سنة ثلاث وثلاثين أو أربع وثلاثين ومائتين. الوافى بالوفيات ٣/ ١٨١. تهذيب التهذيب ٩/ ٢٤١، ٢٤٢.
(٦٣) في أ، ب، م: "وسلمان" خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>