للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأنْكَرتْه. ووجهُ قَوْلِ الْخِرَقِىِّ، قولُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اليَمِينُ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ" (٣). ولأنَّه حَقٌّ لآدَمِىٍّ يَجوزُ بَذْلُه، فيُسْتَحْلَفُ فيه، كالدُّيُونِ.

فصل: فإنْ تَرَكَ الوَطْءَ بغيرِ يَمينٍ، لم يَكُنْ مُولِيًا؛ لأنَّ الإِيلاءَ الحَلِفُ. ولكنْ إنْ تَرَكَ ذلكَ لِعُذْرٍ من مَرَضٍ، أو غَيبَةٍ، ونحوِه، لم تُضْرَبْ له مُدَّةٌ، وإِنْ تركَه مُضِرًّا بها، فهل تُضْرَبُ له مدَّةٌ؟ على روايَتَيْنِ؛ إحداهما، تُضْرَبُ له مدَّةُ أربعةِ أشهرٍ، فإنْ وَطِئَها، وإلَّا دُعِىَ بَعْدَها إلى الوَطْءِ، فإنِ امْتَنعَ منه، أُمِرَ بالطَّلاقِ، كما يُفْعَلُ (٤) فى الإِيلاءِ، سَواءٌ؛ لأنَّه أضَرَّ بها بِتَرْكِ الوَطْءِ فى مُدَّةِ الإِيلاءِ، فيَلْزَمُ حكمُه، كما لو حَلَفَ، ولأنَّ ما وَجَبَ أداؤُه إذا حَلَفَ على تَرْكِه، وَجَبَ أداؤُه إذا لم يَحْلِفْ، كالنَّفَقَةِ وسائِرِ الواجباتِ، يُحَقِّقُه أَنَّ اليَمِينَ لا تَجْعَلُ غيرَ الواجبِ واجبًا إذا أقْسَمَ على تَرْكِه، فوجوبُه مَعَها يدلُّ على وُجوبِه قَبْلَها، ولأنَّ وُجوبَه فى الإِيلاءِ إنَّما كان لِدَفْعِ (٥) حاجَةِ المرأةِ، وإزالةِ الضَّرَرِ عنها، وضَرَرُها لا يَخْتَلِفُ بالإِيلاءِ وعَدَمِه، فلا يخْتَلِفُ الوُجوبُ. فإنْ قيل: فلا يَبْقَى للإِيلاءِ أثَرٌ، فلِمَ أفْرَدْتُم (٦) له بابًا؟ قُلْنا: بل له أثرٌ؛ فإنَّه يدُلُّ على قَصْدِ الإِضْرارِ، فيَتَعلَّقُ الحُكْمُ به، وإن لم يَظْهَرْ منه قَصْدُ الإِضْرارِ، اكْتُفِىَ بدَلالَتِه، وإذا لم تُوجَدِ اليَمِينُ، احْتَجْنا إلى دليلٍ سِواهُ يدلُّ على المُضارَّةِ، فيُعْتَبَرُ الإِيلاءُ لدلالتِه على المُقتَضِى لا لِعَيْنِه. والثَّانِية، لا تُضْرَبُ له مدَّةٌ. وهو مذهبُ أبى حَنِيفَةَ، والشَّافِعِىِّ؛ لأنَّه ليس بمُولٍ، فلم تُضْرَبْ له مدَّةٌ، كما لو لم يَقْصِدِ الإِضرارَ، ولأنَّ تَعْليقَ الحكمِ بالإِيلاءِ يدُلُّ على انْتِفائِه عِنْدَ عدَمِه، إذ لو ثَبَتَ هذا الحكمُ بدونِه، لم يَكُنْ له أَثَرٌ. واللَّهُ أعلمُ.


(٣) تقدم تخريجه فى: ٦/ ٥٢٥.
(٤) فى أ: "يؤمر".
(٥) فى م: "لدافع".
(٦) فى ب: "أفرد".

<<  <  ج: ص:  >  >>