للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في "رُءُوسِ المسَائِلِ"؛ لأنَّه مَمْنُوعٌ من التَّبَرُّعِ لِحَقِّ الغُرَمَاءِ، فلم يَنْفُذْ عِتْقُه كالمَرِيضِ الذي يَسْتَغْرِقُ دَيْنُه مَالَهُ، ولأنَّ المُفْلِسَ مَحْجُورٌ عليه، فلم يَنْفُذْ عِتْقُه كالسَّفِيهِ، وفَارَقَ المُطْلقَ. وأمَّا سِرَايَتُه إلى مِلْكِ الغَيْرِ، فمِن شَرْطِه أن يكونَ مُوسِرًا، يُؤْخَذُ منه قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِه، فلا يَتَضَرَّرُ، ولو كان مُعْسِرًا، لم يَنْفُذْ عِتْقُه إلَّا فيما يَمْلِكُ، صِيَانَةً لِحَقِّ الغيرِ، وحِفْظًا له من (٩) الضَّيَاعِ، كذا هاهُنا. وهذا أصَحُّ، إن شاءَ اللهُ تعالى.

فصل: ويُسْتَحَبُّ إظْهَارُ الحَجْرِ عليه، لِتُجْتَنَبَ مُعَامَلَتُه، كيلا يَسْتَضِرَّ النَّاسُ بِضَيَاعِ أمْوَالِهِم عليه، والإشْهَادِ عليه، لِيَنْتَشِرَ ذلك عنه، ورُبَّما عُزِلَ الحاكِمُ أو مَاتَ، فيَثْبُتُ الحَجْرُ عند الآخَرِ، فيُمْضِيهِ، ولا يَحْتَاجُ إلى ابْتِدَاءِ حَجْرٍ ثَانٍ.

فصل: وإن ثَبَتَ عليه حَقٌّ بِبَيِّنَةٍ، شَارَكَ صَاحِبُه الغُرَمَاءَ؛ لأنَّه دَيْنٌ ثَابِتٌ قبلَ الحَجْرِ عليه، فأشْبَهَ ما لو قَامَتِ البَيِّنَةُ به قبلَ الحَجْرِ. ولو جَنَى المُفْلِسُ بعدَ الحَجْرِ جِنَايَةً أوْجَبَتْ مَالا، شَارَكَ المَجْنِيُّ عليه الغُرَمَاءَ؛ لأنَّ حَقَّ المَجْنِيِّ عليه ثَبَتَ بغير اخْتيَارِه. ولو كانت الجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلقِصَاصِ، فعَفَا صَاحِبُها عنها إلى مَالٍ، أو صَالَحَهُ المُفْلِسُ على مَالٍ، شَارَكَ الغُرَمَاءَ؛ لأنَّ (١٠) سَبَبَهُ ثَبَتَ بغيرِ اخْتِيَارِ صَاحِبِه، فأشْبهَ ما لو أوْجَبَتِ المالَ. فإنْ قِيل: ألا قَدَّمْتُمْ حَقَّهُ على الغُرَمَاءِ، كما قَدَّمْتُمْ حَقَّ مَن جَنَى عليه بعضُ عَبِيدِ المُفْلِسِ؟ قُلْنا: لأنَّ الحَقَّ في العَبْدِ الجانِي تَعَلَّقَ بِعَيْنِه، فَقُدِّمَ لذلك، وحَقُّ هذا تَعَلَّقَ بالذِّمَّةِ، كغيرِه من الدُّيُونِ، فَاسْتَوَيَا.

فصل: ولو قَسَمَ الحاكِمُ مَالَه بين غُرَمَائِه، ثم ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ، رَجَعَ على الغُرَمَاءِ بِقِسْطِه، وبهذا قال الشَّافِعِيُّ، وحُكِيَ ذلك عن مَالِكٍ، وحُكِيَ عنه: لا يَحَاصُّهُم (١١)؛ لأنَّه نَقْضٌ لِحُكْمِ الحاكِمِ. ولَنا، أَنَّه غَرِيمٌ لو كان حَاضِرًا


(٩) في أ، م: "عن".
(١٠) في أ: "لم لا".
(١١) في الأصل: "يخاصمهم". خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>