للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} (١٦). والأخبارُ الواردةُ في تَحْرِيمِ (١٧) قَتْلِ المسْلمِ، والإِجماعُ على تحْريمِهِ، وإنما خُصَّ مِن ذلك ما حَصَلَ ضَرُورةَ دَفْعِ الباغِى والصائِلِ، ففيما عداهُ يَبْقَى على العُمومِ والإِجْماعِ فيه؛ ولهذا حَرُمَ قتلُ مُدْبِرهِم وأسيرِهم، والإِجْهَازُ على جَرِيحهِم، مع أنَّهم إنَّما تَركُوا القتالَ عَجْزًا عنه، ومتى ما قَدَرُوا عليه، عادُوا إليه، فَمنْ لا يُقاتِلُ تَوَرُّعًا عنه مع قُدْرَتِه عليه ولا يُخافُ منه القتالُ بعدَ ذلك أَوْلَى، ولأنَّه مُسْلِمٌ، لم يَحْتَجْ إلى دَفْعِه، ولا صدَر منه أَحدُ الثلاثَةِ، فلم يَحِلَّ دَمُه؛ لِقولِه عليه السلام: "لا يَحِلُّ دَمُ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ إلَّا بإِحْدَى ثَلاثٍ" (١٨). فأمَّا حديثُ عَلِيٍّ، في نَهْيهِ عن قتلِ السَّجَّادِ، فهو حُجَّةٌ عليهم (١٩)، فإنَّ نَهْىَ علىٍّ أَوْلَى مِنْ فِعْلِ مَنْ خَالَفَه، ولا يَمْتَثِلُ قولَ اللَّه تعالى، ولا قولَ رسولِه، ولا قولَ إِمامِه. وقولُهم: لم يُنْكِرْ قَتْلَه؛ قُلْنا: لم يُنْقَلْ إلينا أَنَّ عَلِيًّا عَلِمَ حَقِيقَةَ الحالِ في قَتْلِه، ولا حَضَرَ قَتْلَه فيُنْكِرَه، وقد جاءَ أنَّ عَلِيًّا، رَضِيَ اللهُ عنه، حينَ طافَ في القَتْلَى رآهُ، فقال: السَّجَّادُ، ورَبِّ الكعبَةِ، هذا الذي قَتلَه بِرُّه بأبيه. وهذا يَدُلُّ على أنَّه لم يَشْعُرْ بِقَتْلِه. ورأَى كَعْبَ بن سُورٍ، فقال: يَزْعُمونَ أَنَّما خَرَجَ إلينا الرِّعاعُ، وهذا الْحَبْرُ بينَ أظْهُرِهم! ويجوزُ أن يكونَ تَرْكُه الإِنْكارَ عليهم اجْتزاءً بالنَّهْيِ المتقدِّمِ؛ ولأَنَّ القَصْدَ من قتالِهِم كَفُّهم، وهذا كافٍ لنَفْسِه، فلم يَجُزْ قتلُه كالمُنْهَزِمِ.

فصل: وإذا قاتلَ معهم عبيدٌ ونساءٌ وصبيانٌ، فهم كالرَّجُلِ البالغِ الحُرِّ، يُقاتَلون مُقْبِلين، ويُتْرَكُونَ مُدْبِرين؛ لأَنَّ قتالَهم للدَّفْعِ، ولو أرادَ أحدُ هؤلاءِ قتلَ إنسانٍ، جازَ دَفْعُه وقِتالُه، وإن أتَى على نفسِه؛ ولذلك قُلْنا في أهلِ الحربِ إذا كان معهم النساءُ والصِّبيانُ، يُقاتِلون: قُوتِلُوا، وقُتِلُوا.


(١٦) سورة النساء ٩٣. ولم يرد في ب، م: {خَالِدًا فِيهَا}.
(١٧) سقط من: م.
(١٨) تقدم تخريجه، في: ٣/ ٣٥٢.
(١٩) في م: "عليه".

<<  <  ج: ص:  >  >>