للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَسْرَى من أهلِ العَدْلِ، وأعْطَوا بذلك رَهائِنَ منهم، قَبِلَهم الإِمامُ، واسْتَظْهَرَ للمسلمينَ؛ فإن أطْلَقوا أسْرَى المسلمين الذين عِندَهمِ، أُطْلِقَتْ رَهائِنُهم، وإن قتَلُوا مَنْ عِندَهم، لم يَجُزْ قَتْلُ رَهائِنهِم؛ لأنَّهم لا يُقْتَلون بِقَتْلِ غَيْرِهم، فإذا انْقَضَتِ الْحَربُ، خَلَّى الرَهائنَ، كما تُخَلَّى الأسَارَى منهم. وإن خافَ الإِمامُ على الفِئَةِ العادلَةِ الضَّعْفَ عنهم، أَخَّرَ قِتالَهم إلى أنْ تُمْكِنَه القُوَّةُ عليهم؛ لأنَّه لا يُؤْمَنُ الاصْطِلامُ والاسْتِئْصالُ، فيُؤخِّرُهم حتى تَقْوَى شَوْكَةُ أهلِ العَدْلِ، ثم يُقَاتِلُهم. وإن سَأَلُوه أن يُنْظِرَهم أبَدًا، ويدَعَهم وما هُمْ عليه، ويَكُفُّوا عن المسلمين، نَظَرْتَ، فإِن لم يَعْلَمْ قُوَّتَه عليهم، وخافَ قَهْرَهم له إن قاتَلَهم، تَرَكَهم. وإن قَوِىَ عليهم، لم يَجُزْ إقْرارُهم على ذلك؛ لأنَّه لا يجوزُ أنْ يتركَ بعضُ المسلمين طاعةَ الإِمامِ، ولا تُؤْمَنُ قُوَّةُ شَوْكَتِهم، بحيثُ يُفْضِي إلى قَهْرِ الإِمام العادلِ ومَن معه. ثم إنْ أمْكنَ دَفْعهُم بدونِ (١٢) القَتْلِ، لم يَجُزْ قَتْلُهم؛ لأنَّ المقصودَ دَفْعُهم [لا قَتْلُهم] (١٣)؛ ولأنَّ المقصودَ إذا حَصَلَ بدُونِ القَتْلِ، لم يَجُز القَتْلُ من غيرِ حاجةٍ. وإن حَضَرَ معهم مَنْ لا يُقاتِلُ، لم يَجُزْ قَتْلُه. وقال أصحابُ الشافِعيِّ: فيه وَجْهٌ آخَرٌ، يجوزُ؛ لأنَّ عليًّا، رَضِيَ اللهُ عنه، نَهَى أصحابَه عن قتلِ محمدِ بنِ طلحةَ السَّجَّادِ، وقال: إيَّاكم وصاحبَ البُرْنُسِ. فقتلَه رجلٌ، وأنشأ يقولُ:

وأشْعَثَ قَوَّامٍ بآياتِ رَبِّه ... قليلِ الأذَى فيما تَرى العينُ مُسْلمِ

هَتَكْتُ له بالرُّمْحِ جَيْبَ قَمِيصِه ... فَخَرَّ صَرِيعًا لليدَيْنِ وللْفَمِ

على غيرِ شيءٍ غيرَ أنْ ليس تابعًا ... عَلِيًّا ومَنْ لم يَتْبَعِ الحقَّ يَظْلِمِ

يُناشِدُني حم، والرُّمْحُ شَاجِرٌ ... فهلَّا تَلَا حم قبلَ التَّقَدُّمِ (١٤)

وكان السَّجَّادُ حاملَ رايةِ أبيهِ، ولم يكُنْ يُقاتِلُ، فلم يُنْكِرْ علىٌّ قتْلَه، ولأنَّه صارَ رِدْءًا (١٥)


(١٢) في م: "دون".
(١٣) في ب، م: "لأهلهم".
(١٤) أخرجه الحاكم، في: باب ذكر مناقب محمد بن طلحة بن عبيد اللَّه السجاد. . . .، من كتاب معرفة الصحابة. المستدرك ٣/ ٣٧٥. وانظر: تاريخ الطبري ٣/ ٢١٤، ٢١٥، وتاريخ المسعودي ٢/ ٣٦٥، ٣٦٦.
(١٥) في م: "درءا".

<<  <  ج: ص:  >  >>