للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَضْيِيعًا ولا إفْسادًا، ولا يُنْهَى (١٤) عنه. وأمَّا المُصْحَفُ، فلا يُحَرَّقُ؛ لحُرْمَتِه، ولما تقدَّمَ من قولِ سالمٍ فيه، والحيوانُ لا يُحَرَّقُ، لنَهْىِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ يُعَذِّبَ بالنارِ إلّا رَبُّها (١٥)، ولحُرْمَةِ الحيوانِ فى نفسِه، ولأنَّه لا يَدْخلُ فى اسمِ الْمَتاعِ المأْمُورِ بإحْراقِه. وهذا لا خِلافَ فيه. ولا تُحَرَّقُ آلةُ الدَّابَّةِ أيضًا. نصَّ عليه أحمد؛ لأنَّه يُحْتاجُ إليها (١٦) للانْتِفاعِ بها، [ولأنَّها تابِعَةٌ] (١٧) لما يُحَرَّقُ، فأشْبَهَ جِلْدَ المُصْحَفِ وكِيسَه. وقال الأوْزاعِىُّ: يُحَرَّقُ سَرْجُه وإكافُه. ولَنا، أنَّه مَلْبُوسُ حيوانٍ، فلا يُحَرَّقُ، كثيابِ الغَالِّ. ولا تُحَرَّقُ ثيابُ الغالِّ التى عليه؛ لأنَّه لا يجوزُ تَرْكُه عُرْيانًا، ولا ما غَلَّ؛ لأنَّه من غَنيمةِ المسلمين. قيل لأحمدَ: فالذى أصابَ فى (١٨) الغُلولِ، أىَّ شىْءٍ يُصْنَعُ به؟ قال: يُرْفَعُ إلى المَغْنَمِ. وكذلك قال الأوْزَاعِىُّ. ولا سِلاحُهُ؛ لأنَّه يَحْتاجُ إليه للقتالِ، ولا نفَقتُه؛ لأنَّ ذلك ممَّا لا يُحَرَّقُ عادَةً، وجميعُ ذلك، أو ما أبْقَت النارُ من حديدٍ أو غيرِه، فهو لصاحِبِه؛ لأنَّ مِلْكَه كان ثابِتًا عليه، ولم يُوجَدْ ما يُزيلُه، وإنَّما عُوقِبَ بإحْراقِ مَتاعِه، فما لم يَحْتَرِقْ يَبْقَى على ما كان. ويَحْتَمِلُ أَنْ يُباعَ المصحفُ، ويُتَصَدَّقَ به، لقولِ سالمٍ فيه. وإِنْ كان معه شىءٌ من كتُبِ الحديثِ أو العلمِ، فيَنْبَغِى أَنْ لا تُحَرَّقَ أيضًا؛ لأنَّ نفْعَ ذلك يعودُ إلى الدِّين، وليس المقصودُ الإِضرارَ به فى دِينِه، وإنّما القَصْدُ الإضْرارُ به فى شىءٍ من دُنْياهُ.

فصل: وإِنْ لم يُحَرَّقْ رَحْلُه حتَّى اسْتَحْدَثَ مَتَاعًا آخَرَ، أو رجَعَ إلى بلَدِه، أُحْرِقَ ما كانَ معه (١٩) حالَ الغُلولِ. نَصَّ عليه أحمدُ فى الذى يرجِعُ إلى بلدِه. قال: يَنْبَغِى أَنْ يُحَرَّقَ ما كانَ معه فى أرضِ العَدُوِّ. وإِنْ ماتَ قبل إحْراقِ رَحْلِه، لم يُحَرَّقْ. نَصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّه (٢٠) عُقوبَةٌ، فتسقُطُ بالموتِ، كالحدودِ، ولأنَّه بالموتِ انتقَلَ إلى ورثَتِه، فإحْراقُه عُقوَبةٌ لغيرِ الجانِى. وإِنْ باعَ متاعَهُ، أو وَهَبَه، احْتَمَلَ أَنْ لا يُحَرَّق؛ لأنَّه صارَ لغيرِه،


(١٤) فى ب: "نهى".
(١٥) تقدم تخريجه، فى صفحة ١٣٩.
(١٦) فى الأصل، أ، ب: "إليه".
(١٧) فى الأصل، أ، ب: "ولأنه تابع".
(١٨) فى أ: "من".
(١٩) فى م زيادة: "من".
(٢٠) فى م: "لأنها".

<<  <  ج: ص:  >  >>