للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّما يَحصُلُ فى حقِّ مَن لم يُطَلِّقْ ثلاثًا. وقال ابنُ سِيرينَ: إن عليًّا، كرَّم اللَّهُ وَجْهَه، قال: لو أنَّ النَّاسَ أخَذُوا بما أمرَ اللَّه مِنَ الطَّلاقِ، ما يُتبعُ رجلٌ نفسَه امرأةً أبدًا، يُطَلِّقُها تطليقةً، ثم يَدَعُها ما بينها وبينَ أن تَحيضَ ثلاثةً، فمتى شاءَ راجعَها. رَواه النَّجَّادُ بإسْنادِه (١١). ورَوَى ابنُ عبدِ البَرِّ، بإسْنادِه عن ابنِ مسعودٍ، أنَّه قال: طلاقُ السُّنَّةِ أن يُطَلِّقَها وهى طاهرٌ، ثم يَدَعَها حتى تَنْقضِى عِدَتُّها، أو يُراجعَها إن شاءَ (١٢). فأمَّا حديثُ ابنِ عمرَ الأوَّلُ، فلا حُجَّةَ لهم فيه؛ لأنَّه ليس فيه جمعُ الثَّلاثِ، وأمَّا حديثُه الآخِرُ، فيَحْتَمِلُ أن يَكونَ ذلك بعد ارْتجاعِها، ومتى ارْتَجعَ بعدَ الطَّلْقَةِ ثم طلَّقَها، كان للسُّنَّةِ على كلِّ حالٍ، حتى قد قال أبو حنيفةَ: لو أمْسَكَها بيَدِه لشهوةٍ، ثم والَى بينَ الثَّلاثِ، كان مُصِيبًا للسُّنَّةِ؛ لأنَّه يكون مُرْتجِعًا لها. والمعنى فيه أنَّه إذا ارْتجعَها، سقَطَ حُكْمُ الطَّلْقةِ الأُولَى، فصارتْ كأنَّها لم تُوجَدْ، ولا غِنَى به عن الطَّلْقَةِ الأُخْرَى إذا احْتاج إلى فِرَاقِ امرأتِه، بخلافِ ما إذا لم يَرْتجِعْها؛ فإنَّه مُسْتَغْنٍ عنها، لإفْضائِها إلى مَقْصودِه من إبانتِها، فافْتَرقا، ولأنَّ ما ذكرُوه إرْدافُ طلاقٍ من غيرِ ارْتجاعٍ، فلم يكُنْ للسُّنَّةِ، كجَمْعِ الثَّلاثِ فى طُهْرٍ واحدٍ، وتَحريمُ المرأةِ لا يَزولُ إلَّا بِزَوْجٍ وإصابةٍ من غيرِ حاجةٍ، فلم يكُنْ للسُّنَّةِ، كجَمْعِ الثَّلاثِ.

فصل: فإن طَلَّقَ للبِدْعةِ، وهو أن يُطَلِّقَها حائضًا، أو فى طُهْرٍ أصابَها فيه، أثِمَ، ووقعَ طلاقُه. فى قولِ عامَّةِ أهلِ العلمِ. قال ابنُ المنذرِ، وابنُ عبدِ البَرِّ: لم يُخالِفْ فى ذلك إلَّا أهلُ البِدعِ والضَّلالِ. وحَكاه أبو نَصْر عن ابنِ عُلَيَّةَ، وهشامِ بنِ الحَكَمِ، والشِّيعة قالوا: لا يَقَعُ طلاقُه؛ لأنَّ اللَّه تعالى أمرَ به فى قبلِ العِدَّةِ، فإذا طلَّقَ فى غيرِه لم يَقَعْ، كالوكيلِ إذا أوْقَعَه فى زمنٍ أمرَه موكِّلُه بإيقاعِه فى غيرِه. ولَنا، حديثُ ابنِ عمرَ، أنَّه طلَّقَ امرأتَه وهى حائضٌ، فأمرَه النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُراجِعَها. وفى روايةِ الدَّارَقُطْنِىِّ (١٣) قال:


(١١) وأخرجه ابن أبى شيبة، فى: باب ما يستحب من طلاق السنة وكيف هو، من كتاب الطلاق. المصنف ٥/ ٤.
(١٢) انظر ما تقدم من حديثى ابن مسعود.
(١٣) فى: كتاب الطلاق والخلع والإيلاء وغيره. سنن الدارقطنى ٤/ ٣١. =

<<  <  ج: ص:  >  >>