للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} (٢٤). وما كان مَوْهُوبًا له، كان له أخْذُ مالِه، كعَبْدِه. وقال سُفْيانُ بن عُيَيْنةَ، في قولِه: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} (٢٥). ثم ذَكَرَ بُيُوتَ سائِر القَرَاباتِ إلَّا الأَوْلَادَ لم يَذْكُرْهُم؛ لأنَّهم دَخَلُوا في قوله: {بُيُوتِكُمْ}. فلما كانت بُيُوتُ أوْلادِهِم كَبُيُوتِهِم، لم يَذْكُرْ بُيُوتَ أوْلَادِهِم. ولأنَّ الرَّجُلَ يَلِى مالَ وَلَدِه من غيرِ تَوْلِيةٍ، فكان له التَّصَرُّفُ فيه كمالِ نَفْسِه. وأمَّا أحادِيثُهُم، فأحَادِيثُنا تَخُصُّها وتُفَسِّرُها، فإنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جَعَلَ مالَ الابْنِ مالًا لأبِيه، بقوله: "أنْتَ ومَالُكَ لأَبِيكَ". فلا تَنَافِىَ بينهما. وقوله: "أحَقُّ بِهِ مِنْ وَالِدِه وَوَلَدِهِ". مُرْسَلٌ، ثم هو يَدُلُّ على تَرْجِيحِ حَقِّه على حَقِّه، لا على نَفْىِ الحَقِّ بالكُلِّيَةِ، والوَلَدُ أحَقُّ من الوالِدِ بما تَعَلَّقَتْ به حاجَتُه.

فصل: وليس لِلْوَلَدِ (٢٦) مُطَالَبةُ أبِيه بِدَيْنٍ عليه. وبه قال الزُّبَيْرُ بن بَكَارٍ. وهو مُقْتَضَى قول سُفْيانَ بن عُيَيْنةَ. وقال أبو حنيفةَ، ومالِكٌ، والشافِعِيُّ: له ذلك؛ لأنَّه دَيْنٌ ثابِتٌ، فجازَتِ المُطَالَبةُ به (٢٧)، كغيرِه. ولَنا، أن رَجُلًا جاءَ إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بأبِيه يَقْتَضِيه دَيْنًا عليه، فقال: "أنْتَ ومَالُكَ لأبِيكَ". رَوَاهُ أبو محمدٍ الخَلَّالُ بإسْنادِه (٢٨). ورَوَى الزُّبَيْرُ بن بكارٍ، في كِتَابِ "المُوَفَّقِيّاتِ" (٢٩)، بإسْنادِه، أن رَجُلًا اسْتَقْرَضَ من ابْنِه مالًا، فحَبَسَه، فأطَالَ حَبْسَه، فاسْتَعْدَى عليه الابْنُ عَلِىَّ بن أبي طالِبٍ، رَضِىَ اللَّه عنه، وذَكَرَ قِصَّتَه في شِعْرٍ، فأجَابَه أبُوه بِشِعْرٍ أيضًا، فقال عليٌّ رَضِىَ اللَّه عنه:


(٢٤) سورة إبراهيم ٣٩.
(٢٥) سورة النور ٦١.
(٢٦) في الأصل: "للمرء".
(٢٧) سقط من: م.
(٢٨) تقدم تخريجه في صفحة ٢٧٣.
(٢٩) الموفقيات ١١١، ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>