للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُسْتَوْدَعُ رَدَّها على صاحِبِها، لَزِمَه قَبُولُها (٧)؛ لأنَّ المُسْتَوْدَعَ مُتَبَرِّعٌ بإمْساكِها (٨)؛ فلا يَلْزَمُه التَّبَرُّعُ فى المُستقبَلِ.

١٠٦٦ - مسألة؛ قال: (ولَيْسَ عَلَى مُودَعٍ ضَمَانٌ، إذَا لَمْ يَتَعَدَّ)

وجملَتُه أَنَّ الوَدِيعةَ أمانةٌ، فإذا تَلِفَتْ بغيرِ تَفْريطٍ من المُودَعِ، فليس عليه ضَمانٌ، سواءٌ ذَهَبَ معها شىءٌ من مالِ المُودَعِ أو لم يَذْهَبْ. هذا قولُ أكثرِ أهلِ العِلْمِ. رُوِىَ ذلك عن أبى بُكَيْر، وعلىٍّ، وابنِ مسعودٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم. وبه قال شُرَيحٌ، والنَّخَعِىُّ، ومالكٌ، وأبو الزِّنادِ، والثَّوْرِىُّ، والأوْزَاعىُّ، والشَّافعىُّ، وأصحابُ الرَّأْى. وعن أحمدَ روايةٌ أخرى، إن ذَهَبَتِ الوَدِيعةُ من بين مالِه غَرِمَها؛ لما رُوِىَ عن عمرَ بن الخطابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه ضَمّنَ أَنَسَ بن مالكٍ وَدِيعةً ذَهَبَتْ من بين مالِه (١). قال القاضى: والأُولَى (٢) أَصَحُّ؛ لأنَّ اللَّه تعالى سَمَّاها أمانةً، والضَّمانُ يُنَافِى الأمانةَ. ويُرْوَى عن عمرِو بن شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، أَنَّ النّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَيْسَ عَلَى المُسْتَوْدَعِ ضَمانٌ" (٣). ويُرْوَى عن الصَّحابةِ الذين ذكَرْناهِم. ولأنَّ المُسْتَوْدَعَ مُؤْتَمَنٌ، فلا يَضْمَنُ ما تَلِفَ من غيرِ تَعَدِّيه وتَفْرِيطِه، كالذى ذهَبَ مع مالِه، ولأنَّ المُسْتَوْدَعَ إنَّما يَحْفَظُها لصاحِبِها مُتَبَرِّعًا، من غير نَفْع يَرْجِعُ إليه (٤) فلو لَزِمَهُ الضَّمانُ لَامْتَنعَ الناسُ من قبَولِ الوَدائِعِ، وذلك مُضِرٌّ، لما بَيَّنَاه من الحاجةِ إليها، وما رُوِىَ عن عمرَ مَحْمولٌ على التَّفْريطِ من أَنَسٍ فى حِفْظِها، فلا يُنافِى ما ذكَرْناه. فأمَّا إن تَعَدَّى


(٧) فى الأصل، أ، ب: "قبوله".
(٨) فى ب: "بإمساكه".
(١) أخرجه البيهقى، فى: باب لا ضمان على مؤتمن، من كتاب الوديعة. السنن الكبرى ٦/ ٢٨٩.
(٢) فى أ، م: "الأول".
(٣) أخرجه البيهقى، فى: باب ما جاء فى الترغيب فى أداء الأمانات، من كتاب الوديعة. السنن الكبرى ٦/ ٢٨٩.
وأخرجه بنحوه ابن ماجه، فى: باب الوديعة، من كتاب الصدقات. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٠٢. والدارقطنى، فى: كتاب البيوع. سنن الدارقطنى ٣/ ٤١. وأورده الحافظ فى تلخيص الحبير ٣/ ٩٧.
(٤) فى م: "عليه".

<<  <  ج: ص:  >  >>