للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْسُوخٌ، بِدَلِيلِ أن الحُرَّ لا يُبَاعُ، والبَيْعُ وَقَعَ على رَقَبَتِه، بِدَلِيلِ أن في الحَدِيثِ أنَّ الغُرَمَاءَ قالوا لِمُشْتَرِيه: ما تَصْنَعُ به؟ قال أعْتِقُه. قالوا: لَسْنَا بأَزْهَدَ منك في إعْتَاقِه. فأَعْتَقُوهُ. قُلْنا: هذا إِثْبَاتُ النَّسْخِ بالاحْتِمَالِ، ولا يجوزُ، ولم يَثْبُتْ أن بَيْعَ الحُرِّ كان جَائِزًا في شَرِيعَتِنَا، وحَمْلُ لَفْظِ بَيْعِه على بَيْعِ مَنَافِعِه أسْهَلُ من حَمْلِه على بَيْعِ رَقَبَتِه المُحَرَّمِ، فإنَّ حَذْفَ المُضَافِ وإقَامَةَ المُضَافِ إليه مُقَامَهُ سَائِغٌ كَثِيرٌ في القُرْآن، وفي كَلَامِ العَرَبِ، كقَوْلِه تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} (١١). {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} (١٢). {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (١٣). وغيرِ ذلك. وكذلك قولُه: "أُعْتِقُهُ". أي من حَقِّي عليه. وكذلك قال: "فأعْتَقُوهُ" يَعْنِي الغُرَمَاءَ، وهم لا يَمْلِكُونَ إلا الدَّيْنَ الذي عليه. وأمَّا قولُه تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}. فيَتَوَجَّه مَنْعُ كَوْنِه دَاخِلًا تَحْتَ عُمُومِها؛ فإنَّ هذا في حُكْمِ الأغْنِيَاءِ، في حِرْمَانِ الزَّكَاةِ، وسُقُوطِ نَفَقَتِه عن قَرِيبِه، ووُجُوبِ نَفَقَةِ قَرِيبِه عليه، وحَدِيثُهم قَضِيَّةُ عَيْنٍ، لا يَثْبُتُ حُكْمُها إلَّا في مِثْلِها، ولم يَثْبُتْ أنَّ لذلك الغَرِيمِ كَسْبًا يَفْضُلُ عن قَدْرِ نَفَقَتِه. وأمَّا قَبُولُ الهِبَةِ والصَّدَقَةِ، ففيه مِنَّةٌ ومَعَرَّةٌ (١٤) تَأْبَاهَا قُلُوبُ ذَوِى المُرُوءَاتِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. إذا ثَبَتَ هذا، فلا يُجْبَرُ على الكَسْبِ إلَّا مَن في كَسْبِه فَضْلَةٌ عن نَفَقَتِه، ونَفَقَةِ من يَمُونُه، على ما تَقَدَّمَ ذِكْرُه.

فصل: ولا يُجْبَرُ على قَبُولِ هَدِيَّةٍ، ولا صَدَقَةٍ، ولا وَصِيَّةٍ ولا قَرْضٍ، ولا تُجْبَرُ المَرْأةُ على التَّزَوُّجِ، لِيَأخُذَ مَهْرَهَا، لأن في ذلك ضَرَرًا لِلُحُوقِ المِنَّةِ في الهَدِيَّةِ والصَّدَقَةِ والوَصِيَّةِ، والعِوَضِ في القَرْضِ، ومِلْكِ الزَّوْج لِلْمَرْأةِ في النِّكَاحِ،


(١١) سورة البقرة ٩٣.
(١٢) سورة البقرة ١٧٧.
(١٣) سورة يوسف ٨٢.
(١٤) في الأصل: "ومضرة".

<<  <  ج: ص:  >  >>