للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شُرَيْحٍ، ومالكٍ، والثَّوْرِىِّ، واللَّيْثِ، وأبى حنيفةَ. وقال الشَّافِعِىُّ في بعض أَقْوَالِه: الكَفالةُ بالبَدَنِ ضَعِيفَةٌ. واخْتَلَفَ أصْحابُه، فمنهم مَن قال: هي صَحِيحَةٌ قَوْلًا واحِدًا. وإنَّما أرَادَ أنَّها ضَعِيفَةٌ في القِيَاسِ، وإن كانت ثَابِتَةً بالإِجْمَاعِ والأَثَرِ. ومنهم مَن قال: فيها قَوْلَانِ؛ أحدُهما، أَنَّها غيرُ صَحِيحَةٍ؛ لأنَّها كَفَالَةٌ بِعَيْنٍ، فلم تَصِحَّ، كالكَفَالَةِ بالوَجْهِ وبَدَنِ الشَّاهِدين. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} (١). ولأنَّ ما وَجَبَ تَسْلِيمُه بِعَقْدٍ وَجَبَ تَسْلِيمُه بِعَقْدِ الكَفالةِ، كالمالِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه متى تَعَذَّرَ على الكَفِيلِ إحْضَارُ المَكْفُولِ به مع حَيَاتِه، أو امْتَنَعَ من إحْضَارِه، لَزِمَهُ ما عليه. وقال أكْثَرُهم: لا يَغْرَمُ. ولَنا، عُمُومُ قولِه عليه السَّلَامُ: "الزَّعِيمُ غَارِمٌ" (٢). ولأنَّها أحَدُ نَوْعَىِ الكَفالةِ، فوَجَبَ بها الغُرْمُ، كالكَفالةِ بالمالِ.

فصل: وإذا قال: أنا كَفِيلٌ بِفُلَانٍ، أو بِنَفْسِه، أو بِبَدَنِه، [أو بِوَجْهِه، كان كَفِيلًا به. وإن كَفَلَ بِرأْسِه أو كَبِدِه] (٣)، أو جُزْءٍ لا تَبْقَى الحَيَاةُ بِدُونِه، أو بِجُزْءٍ شَائِعٍ منه، كثُلُثِه أو رُبُعِه، صَحَّتِ الكَفَالَةُ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُه إحْضَارُ ذلك إلَّا بإِحْضَارِه كلِّه. وإن تَكَفَّلَ بِعُضْوٍ تَبْقَى الحَيَاةُ بعدَ زَوَالِه، كَيدِه وَرِجْلِه، ففيه وَجْهانِ؛ أحدُهما، تَصِحُّ الكَفَالَةُ. وهو قولُ أبى الخَطَّابِ، وأحَدُ الوَجْهَيْنِ لأَصْحابِ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُه إحْضَارُ هذه الأَعْضَاءِ على صِفَتِها إلَّا بإِحْضَارِ البَدَنِ كلِّه، فأَشْبَه الكَفَالَةَ بِوَجْهِه ورَأْسِه، ولأنَّه حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بالجُمْلَةِ فَيثْبُتُ حُكْمُه إذا أُضِيفَ إلى البعضِ، كالطَّلاقِ والعَتَاقِ. والثانى، لا يَصِحُّ؛ لأنَّه يُمْكِنُ إحْضَارُهُ بدون الجُمْلَةِ مع بَقَائِها. وقال القاضي: لا تَصِحُّ الكَفَالَةُ ببعضِ البَدَنِ، ولا تَصِحُّ إلَّا في جَمِيعِه؛ لأنَّ ما لا يَسْرِى لا يَصِحُّ إذا خُصَّ به عُضْوٌ، كالبَيْعِ والإِجَارَةِ.


(١) سورة يوسف ٦٦.
(٢) تقدم تخريجه في صفحة ٧١.
(٣) سقط من: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>