للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكامِنُ لا عِبْرَةَ به، وإنّما النَّقْصُ بما ظَهَرَ لا بما كَمَنَ.

٧٤٣ - مسألة؛ قال: (إلَّا أنْ يَكُونَ الْبَائِعُ دَلَّسَ الْعَيْبَ، فَيَلْزَمُهُ رَدُّ الثَّمَنِ، كَامِلًا. وكَذَلِك سَائِرُ الْمَبِيعِ)

مَعْنَى دَلَّسَ العَيْبَ: أى كَتَمَه عن المُشْتَرِى، مع عِلْمِه به. أو: غَطّاهُ عنه، بما يُوهِمُ المُشْتَرِىَ عَدَمَه. مُشْتَقٌّ مِن الدُّلْسَةِ، وهى الظُّلْمَةُ. فكأنَّ البائِعَ يَسْتُرُ العَيْبَ. وكِتْمَانُه (١) جَعْلُه فى ظُلْمَةٍ، فَخفِىَ عن المُشتَرِى، فلم يَرَه، ولم يَعْلَمْ به. وسواءٌ فى هذا ما عَلِمَ به فكَتَمَه، وما سَتَرَه، فكلاهما تَدْلِيسٌ حرامٌ، على ما بَيَّنّاه (٢). فإذا فَعَلَه البائِعُ، فلم يَعْلَمْ به المُشْتَرِى حتى تَعَيَّبَ المَبِيعُ فى يَدِه، فله رَدُّ المَبِيعِ، وأخْذُ ثَمَنِه كامِلًا، ولا أرْشَ عليه، سواءٌ كان الحادِثُ بِفِعْلِ المُشْتَرِى، كَوَطْءِ البِكْرِ، وقَطْعِ الثَّوْبِ، أو بِفِعْلِ آدَمِىٍّ آخَرَ، مِثْلُ أنْ يَجْنِىَ عليه جانٍ، أو بِفِعْلِ العَبْدِ كالسَّرِقَةِ والإباقِ، أو بِفِعْلِ اللهِ تعالى بالمَرَضِ ونَحْوِه، سواءٌ كان ناقِصًا لِلْمَبِيعِ، أو مُذْهِبًا لجميعِه. قال أحمدُ، فى رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا، فأبَقَ مِن يَدِه، وأقامَ البَيِّنَةَ أنَّ إباقَهُ كان مَوْجُودًا فى يَدِ البائِعِ: يَرْجِعُ به على البائِعِ، بجميعِ الثَّمَنِ الذى أخَذَه منه؛ لأنه غَرَّ المُشْتَرِىَ، ويَتْبَعُ (٣) البائِعُ عَبْدَه حيثُ كان. وهذا يُحْكَى عن الحَكَمِ، ومالِكٍ؛ لأنَّه غَرَّه فيَرْجِعُ عليه، كما لو غَرَّه بحُرِّيَّةِ أمَةٍ. وظاهِرُ حَدِيثِ المُصَرّاةِ يَدُلُّ على أنَّ ما حَدَثَ فى يَدِ المُشْتَرِى مَضْمُونٌ عليه، سواءٌ دَلَّسَ البائِعُ العَيْبَ، أو لم يُدَلِّسْه، فإنّ التَّصْرِيَةَ تَدْلِيسٌ، ولم يُسْقطْ عن المُشْتَرِى ضَمانَ اللَّبَنِ، بل ضَمَّنَه بصاعٍ مِن التَّمْرِ، مع كَوْنِه قد نَهَى عنِ التَّصْرِيَةِ، وقال: "بَيْعُ الْمُحَفَّلَاتِ خِلَابَةٌ، وَلَا تَحِلُّ الْخِلَابَةُ لِمُسْلِمٍ" (٤). وقولُ النَّبىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْخَرَاجُ


(١) فى الأصل: "أو كتمانه".
(٢) فى الأصل: "بينا".
(٣) فى م: "ويتنع". تحريف.
(٤) تقدم تخريجه فى صفحة ٢١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>