للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُدَّعِى، وإن قُضِىَ عليه بدَيْنٍ، ووُجدَ له مالٌ، وُفِّىَ منه؛ فإنَّه قال، في روايةِ حَرْبٍ، في رجلٍ أقامَ بَيِّنَةً أنَّ له سَهْمًا من ضَيْعةٍ في أيْدى قومٍ، فتَوارَوا عنه: يُقْسَم عليهم، شَهِدُوا أو غابوا، ويُدْفَعُ إلى هذا حقُّه. ولأنَّه (١٠) ثَبَتَ (١١) حَقُّه بالبَيِّنَةِ، فيُسَلَّمُ إليه، كما لو كان خَصْمُه حاضِرًا. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يُدْفَعَ إليه شىءٌ حتى يُقيمَ كَفيلًا أنَّه متى حضرَ خَصْمُه، وأبطَلَ دَعْواه، فعليه ضَمانُ ما أخذَه، لئلَّا يأْخذَ المُدَّعِى ما حُكمَ له به، ثم يَأْتِىَ خَصْمُه، فيُبْطِلَ حُجَّتَه، أو يُقِيمَ بَيِّنَةً بالقضاءِ والإبْراءِ، أو تُمْلَكَ العَيْنُ (١٢) التى قامتْ بها البَيِّنَةُ بعدَ ذَهابِ المُدَّعِى وغَيبتِه أو مَوْتِه، فيَضِيعَ مالُ المدَّعَى عليه. وظاهرُ كلامِ أحمدَ الأوَّلُ؛ فإنَّه قال في رجلٍ عندَه دَابَّةٌ مَسْرُوقة، فقال: هى عندى وَديعةٌ: إذا أُقِيمَتِ البَيِّنَةُ أنَّها له، تُدْفَعُ إلى الذى أقامَ البَيِّنَةَ، حتى يَجِىءَ صاحبُ الوَدِيعَةِ (١٣) فيُثبِتَ.

فصل: فأمَّا الحاضِرُ في البلدِ، أو قريبٍ منه، إذا لم يُمْنَعْ مِن الحُضورِ، فلا يُقْضَى عليه قبلَ حُضورِه. في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ. وقالَ أصحابُ الشافعيِّ، في وجهٍ لهم: إنَّه يُقْضَى عليه في غَيْبَتِه؛ لأنَّه غائبٌ، أشْبَهَ الغائبَ عن البلدِ. ولَنا، أنَّه أمْكَنَ سُؤالُه، فلم يَجُزِ الحُكمُ عليه قبلَ سُؤالِه، كحاضرِ مجلسِ الحاكمِ، ويُفارِقُ الغائبَ البعيدَ؛ فإنَّه لا يُمْكِنُ سُؤالُه، فإن امْتنعَ من الحضورِ، أو تَوارَى، فظاهرُ كلامِ أحمدَ، جوازُ القضاءِ عليه؛ لما ذكَرْنا عنه في روايةِ حَرْبٍ. ورَوَى عنه أبو طالبٍ، في رجلٍ وجدَ غُلامَه عندَ رجلٍ، فأقامَ البَيِّنَةَ أنَّه غُلامُه، فقال الذى عنده الغلامُ: أوْدَعَنِى هذا رجلٌ. فقال أحمدُ: أهلُ المدينةِ يَقْضُون [على الغائبِ، يقولون: إنَّه لهذا الذى أقامَ البَيِّنَةَ. وهو مذهبٌ حَسنٌ، وأهلُ البصرةِ يَقْضُون] (١٤) على غائبٍ، يُسمُّونَه الإعْذارَ. وهو إذا ادَّعَى على رجلٍ ألفًا، وأقامَ البَيِّنَةَ، فاخْتفَى المدَّعَى عليه، يُرْسَلُ إلى بابِه، فيُنادِى الرسولُ ثلاثًا، فإن جاءَ، وإلَّا قد أعْذَروا إليه. فهذا يُقوِّى قولَ أهلِ المدينةِ، وهو معنًى حسنٌ. وقد ذكرَ


(١٠) سقطت الواو من: ب، م.
(١١) في ب، م: "يثبت".
(١٢) سقط من: ب، م.
(١٣) في الأصل: "البينة".
(١٤) سقط من: ب. نقل نظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>