للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إمامَتَهُ، وقال مالِكٌ: لا يَؤُمُّهُم، وإن كان أقْرَأَهُم؛ لِقَوْلِ اللهِ تعالى: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} (٣٤). ولَنا، قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُم لِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى". ولأنَّه مُكَلَّفٌ مِن أهْلِ الإِمامةِ، أشْبَهَ المُهَاجِرَ، والمُهَاجِرُ أَوْلَى منه؛ لأنَّه يقَدَّمُ على المَسْبُوقِ بالهِجْرَةِ، فمنَ لا هِجْرَةَ له أَوْلَى. قال أبو الخَطَّابِ: والحَضَرِىُّ أوْلَى من البَدَوِيّ؛ لأنَّه مُخْتَلَفٌ في إمامتهِ، ولأنَّ الغَالِبَ جَفَاؤُهم، وقِلَّةُ مَعْرِفَتِهم بِحُدُودِ اللهِ.

فصل: ولا تُكْرَهُ إمامةُ وَلَدِ الزِّنَا إذا سَلِمَ دِينُه. قال عَطاءٌ: له أن يَؤُمَّ إذا كان مَرْضِيًّا، وبه قال سليْمانُ بنُ موسى (٣٥)، والحسنُ، والنَّخَعِىُّ، والزُّهْرِىُّ، وعَمْرُو بنُ دِينَار، وإسْحاقُ. وقال أصْحَابُ الرَّأْىِ: لا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ خَلْفَه. وكَرِهَ مالِكٌ أنْ يُتَّخَذَ إمامًا رَاتِبًا. وكَرِهَ الشَّافِعِىُّ إمَامَتَه؛ لأنَّ الإِمامةَ مَوْضِعُ فَضِيلَةٍ، فَكُرِهَ تَقْدِيمُه فيها كالْعَيْدِ. ولَنا، قَوْلُه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ". وقالت عائشةُ: ليس عليه مِن وِزْرِ أَبَوَيْهِ شَىْءٌ. وقد قال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (٣٦) وقال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (٣٧) والعَبْدُ لا تُكْرَهُ إمَامَتُه، وإنَّما الحُرُّ أَوْلَى منه، ثم إنَّ العَبْدَ ناقِصٌ في أَحْكَامِه، لا يَلِى النِّكاحَ ولا المالَ، ولا تُقْبَلُ شَهَادَتُه في بعضِ الأَشْيَاءِ، بِخِلافِ هذا.

فصل: ولا تُكْرَهُ إمامةُ الجُنْدِىِّ والخَصِىِّ إذا سَلِمَ دينُهما؛ لما ذَكَرْنَا في العَبْدِ، ولأنَّه عَدْلٌ من أهْلِ الإِمامَةِ (٣٨)، أشْبَهَ غيرَه.


(٣٤) سورة التوبة ٩٧.
(٣٥) أبو أيوب سليمان بن موسى الأشدق، من فقهاء التابعين بالشام والجزيرة، توفى سنة تسع عشرة ومائة. طبقات الفقهاء للشيرازي ٧٥.
(٣٦) سورة الأنعام ١٦٤.
(٣٧) سورة الحجرات ١٣.
(٣٨) في الأصل: "الأمانة".

<<  <  ج: ص:  >  >>