للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأصْلَ بقاءُ النِّكاحِ. والثانى، القولُ قولُها؛ لأنَّ الأصْلَ عدمُ إسْلامِ الثانى. المسألة الثانية، أن تقولَ: أسْلَمْتُ قَبْلَكَ، فلى نَفَقةُ العِدَّةِ. ويقولَ هو: أسْلَمْتُ قَبْلكِ، فلا نَفَقَةَ لك. فالقولُ قولُها؛ لأنَّ الأصْلَ وُجُوبُ النَّفَقةِ. وهو يَدَّعِى سُقُوطَها. وإن قال: أسْلَمْتِ بعدَ شَهْرينِ من إسْلامِى، فلا نفقةَ لك فيهما. وقالت: بعد شَهْرٍ. فالقولُ قولُه؛ لأنَّ الأصْلَ عدمُ إسْلامِها فى الشَّهْرِ الثانى. فأمَّا إن ادَّعَى هو ما يَفْسَخُ النِّكاحَ، وأنْكَرَتْه، انْفَسخَ النِّكاحُ؛ لأنَّه يُقِرُّ على نَفْسِه بزَوالِ نِكاحِه وسُقُوطِ حَقِّه، فأشْبَهَ ما لو ادَّعَى أَنَّها أُخْتُه من الرَّضاعَ، فكَذّبَتْه.

فصل: وسواءٌ فيما ذكَرْنا اتّفَقَتِ الدارانِ أو اخْتَلَفَتا. وبه قال مالكٌ، والأوْزاعىُّ، واللَّيْثُ، والشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: إن أسْلَمَ أحَدُهما وهما فى دارِ الحَرْبِ، ودَخَلَ دارَ الإِسلامِ، انْفَسخَ النِّكاحُ، ولو تَزَوّجَ حَرْبِىٌّ حَرْبَيّةً، ثم دَخَلَ دارَ الإِسلامِ، وعَقَدَ الذِّمّةَ، انْفَسَخَ نِكاحُه؛ لِاخْتلافِ الدَّارينِ. ويَقْتَضِى مَذْهَبُه أَنَّ أحَدَ الزَّوْجينِ الذِّمِّيَّيْنِ إذا دَخَلَ دارَ الحرب، ناقِضًا للعَهْدِ، انْفَسخَ نِكاحُه؛ لأَنَّ الدارَ اخْتَلَفَتْ بهما فِعْلًا وحُكْمًا، فوَجَبَ أنَّ تقَعَ الفُرْقةُ بينهما، كما لو أسْلَمَتْ فى دارِ الإِسْلامِ قبلَ الدُّخولِ. ولَنا، أَنَّ أبا سُفْيانَ أسْلَم بمَرِّ الظَّهْرانِ، وامرأتُه بمَكَّةَ لم تُسْلِمْ، وهى دارُ حَرْبٍ، وأُمُّ حَكِيمٍ أسْلَمتْ بمكةَ، وهَرَبَ زَوْجُها عِكْرِمَةُ إلى اليَمنِ، وامرأةُ صَفْوانَ بن أُمَيَّةَ أسلمتْ يومَ الفَتْحِ، وهَرَبَ زوجُها، ثم أسْلَمُوا، وأُقِرُّوا على أنْكِحَتِهِم مع اختلافِ الدِّينِ والدارِ بهم، ولأنَّه عَقْدُ مُعاوَضةٍ، فلم ينْفَسِخْ (٣٧) باخْتِلافِ الدارِ كالبَيْعِ، ويُفارِقُ ما قبلَ الدُّخولِ، فإنَّ القاطِعَ للنِّكاحِ اخْتلافُ الدِّينِ، المانعُ من الإِقرارِ على النِّكاحِ، دُونَ ما ذكَرُوه. فعلى هذا، لو تزوَّجَ مُسْلِمٌ مُقِيمٌ بدارِ الإسْلامِ حَرْبِيَّةً من أهلِ الكتابِ، صَحَّ نكاحُه، وعندهم لا يَصِحُّ. ولَنا عمومُ قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (٣٨). ولأنَّها امرأةٌ يُباحُ نِكاحُها إذا كانت فى دارِ الإِسلامِ، فأُبِيحَ نِكاحُها فى دارِ الحَرْبِ، كالمُسْلِمةِ.


(٣٧) فى أ، م: "يفسخ".
(٣٨) سورة المائدة ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>