للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِدَّتُهَا بِوَضْعِ أَحَدِ الوَلَدَيْنِ. ففالَ له قَتادَةُ: أيَحِلُّ لَهَا بأنْ تَتَزَوَّجَ؟ . قال: لا. قَالَ: خُصِمَ (٣) العَبْدُ. ولو خَرَجَ بعضُ الوَلَدِ، فارْتَجَعَها قَبْلَ أَنْ تَضَعَ باقِيَهُ صَحَّ؛ لِأَنَّها لم تَضَعْ جَمِيعَ حَمْلِها، فصَارَتْ كمَنْ وَلَدَتْ أَحَدَ الوَلَدَيْنِ.

فصل: إِذا انْقَطَعَ حَيْضُ المَرْأَةِ فى المَرَّةِ الثَّالِثَةِ، ولمَّا تَغْتَسِلْ، فهلْ تَنْقَضِى عِدَّتُها بِطهْرِها؛ فيه رِوَايَتَانِ، ذَكَرَهما ابنُ حامِدٍ؛ إِحْداهُما، لا تَنْقَضِى عِدَّتُها حتَّى تَغْتَسِلَ، وَلِزَوْجِهِا رَجْعَتُها فى ذلك. وهذا ظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِىِّ، فإنَّهُ قالَ فِى العِدَدِ (٤): فإذا اغْتَسَلَتْ مِن الحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، أُبِيحَتْ للْأَزْوَاجِ (٥). وهذا قَوْلُ كَثِيرٍ مِن أصْحَابِنَا، ورُوِىَ ذلك عن عمرَ، وعلىٍّ، وابنِ مسعودٍ، وسعيد بنِ المُسَيَّبِ، والثَّوْرِىِّ، وأبى عُبَيْدٍ. ورُوِىَ نَحْوُه عن أبى بُكَرٍ الصِّدِّيقِ، وأبى موسى، وعُبادَةَ، وأَبى الدَّرْداءِ. ورُوِىَ عن شَرِيكٍ: لَه الرَّجْعَةُ وإِنْ فَرَّطَتْ فِى الغُسْلِ عِشْرِينَ سَنَةً. ووَجْهُ هذا قَوْلُ مَنْ سَمَّيَنَا عن الصَّحَابَةِ، ولم يُعرَفْ لهم مُخَالِفٌ فى عَصْرِهم، فيكونُ إجْماعًا، ولِأَنَّ أَكْثَرَ أَحْكامِ الحَيْضِ لا تَزُولُ إِلَّا بِالغُسْلِ، وكذلك هذا. والرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، أَنَّ العِدَّةَ تَنْقَضِى بمُجَرَّدِ الطُّهْرِ قبلَ الغُسْلِ. وهو قَوْلُ طَاوُسٍ، وسعيد بنِ جُبَيْرٍ، والأَوْزاعِىِّ. وَاخْتارَهُ أَبو الخَطَّابِ؛ لِقَوْلِه تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (٦). والقُرْءُ: الحَيْضُ. وقد زَالَتْ، فيَزُولُ التَّرَبُّصُ. وفيما رُوِىَ عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أَنَّهُ قال: "وَقُرْءُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ" (٧). وقال: "دَعِى الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ" (٨). يَعْنِى أَيَّامَ حَيْضِكِ. ولأنَّ انْقِضاءَ العِدَّةِ تَتَعَلقُ به بَيْنُونَتُها مِن الزَّوْجِ، وحِلُّها لِغَيْرِه، فلم يتَعَلَّقْ بِفِعْل اخْتِيَارِىٍّ مِنْ جِهَةِ المَرْأَةِ بِغيْرِ تَعْلِيقِ الزَّوْجِ، كالطَّلاقِ وسائِرِ العِدَدِ، ولأَنَّها لو تَركَتِ الغُسْلَ


(٣) خصم: أى غُلِب.
(٤) فى م: "العدة".
(٥) فى م: "بلا زواج".
(٦) سورة البقرة ٢٢٨.
(٧) تقدم تخريجه فى صفحة ٥٣٤.
(٨) انظر ما تقدم من التخريج فى: ١/ ٢٧٧، ٣٩٢، ٣٩٣، ٣٩٦، ٣٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>