للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فُصُولٌ فى تَعْلِيقِ الطَّلاق

إذا قال لامرأتِه: إن حِضْتِ فأنتِ طالقٌ، فقالت: قد حِضْتُ. فصدَّقَها، طَلُقَتْ، وإن كذَّبَها، ففيه روايتانِ؛ إحْداهما، يُقْبَلُ قولُها؛ لأنَّها أمِينةٌ على نفسِها. وهذا قولُ أبى حنيفةَ، والشَّافعىِّ. وهو ظاهرُ المذهبِ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى قال: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ} (١). قيلَ: هو الحَيْضُ والحَمْلُ. ولولا أَنَّ قَوْلَها فيه مقبولٌ، لَما حَرُمَ عليها كِتْمانُه، وصار هذا كما قال اللَّهُ تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} (٢). لَمَّا حَرَّمَ كتمانَها دلَّ على قَبُولِها، كذا ههُنا. ولأنَّه معنًى فيها لا يُعْرَفُ إلَّا مِن جِهَتِها، فوجبَ الرُّجوعُ إلى قولِها فيه، كقَضاءِ عِدَّتِها. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يُقبَلُ قولُها، ويَختبرُها النِّساءُ، بإدْخالِ قُطْنَةٍ فى الفَرْجِ فى الزَّمانِ الذى ادَّعَتِ الحَيْضَ فيه، فإن ظهرَ الدَّمُ فهى حائِضٌ، وإلَّا فلا. قال أحمدُ، فى روايةِ مُهَنَّا، فى رجلٍ قال لامرأتِه: إذا حِضْتِ فأنتِ طالقٌ وعَبْدِى حُرٌّ. فقالت: قد حِضْتُ: يَنْظُرُ إليها النِّساءُ، فتُعْطى قُطْنَةً وتُخرِجُها، فإن خرَجَ الدَّمُ فهى حائضٌ، تَطْلُقُ ويَعْتِقُ العبدُ. قال أبو بكرٍ: وبهذا أقولُ. وهذا لأنَّ الحَيْضَ يُمْكِنُ التَّوصُّلُ إلى معرفتِه من غيرِها، فلم يُقْبَلْ فيه مُجَرَّدُ قَوْلِها، كدُخولِ الدَّارِ. والأوَّلُ المذهبُ، ولعل أحمدَ إنَّما اعْتَبرَ البَيِّنَةَ فى هذه الرِّوايةِ من أجْلِ عِتْقِ العبدِ، فإنَّ قولَها إنَّما يُقْبَلُ فى حقِّ نفسِها دونَ غيرِها. وهل يُعْتبَرُ يَمِينُها إذا قُلْنا: القَوْلُ قولُها؟ على وَجْهينِ، بِناءً على ما إذا ادَّعَتْ أَنَّ زوجَها طَلَّقَها، فأنكرَها. ولا يُقبَلُ قولُها إلَّا فى حقِّ نفسِها خاصَّةً دُونَ غيرِها، مِن طلاقِ أُخْرَى، أو عِتْقِ عبدٍ. نَصَّ عليه أحمدُ، فى رجلٍ قال لامرأتِه: إذا حِضْتِ فأنتِ طالقٌ وهذه معك.


(١) سورة البقرة ٢٢٨.
(٢) سورة البقرة ٢٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>