للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَقِيقٍ، رُدَّ إلَيْهِمْ، إذَا عُلِمَ بِهِ قَبْلَ أنْ يُقْسَمَ، ويُفَادَى بِهِمْ بَعْدَ أنْ يُفَادَى بالمُسْلِمِينَ)

وجملةُ ذلك أنَّ أهلَ الحربِ إذا استَوْلَوا على أهلِ ذِمَّتِنَا، فَسَبَوْهُم، وأَخَذُوا أمْوالَهم، ثم قُدِرَ عليهم، وَجَبَ رَدُّهم إلى ذِمَّتِهم، ولم يَجُز استِرْقاقُهم. فى قولِ عامَّةِ أهلِ العلمِ؛ منهم الشَّعْبِىُّ، ومالِكٌ، واللَّيْثُ، والأوْزاعِىُّ، والشافِعِىُّ، وإسْحاقُ، ولا نعلَمُ لهم مُخالفًا؛ وذلك لأنَّ ذِمَّتَهُم باقِيَةٌ، ولم يُوجَدْ منهم ما يُوجِبُ نَقْضَها. وحُكْمُ أمْوالِهم، حُكْمُ أموالِ المسلمين فى حُرْمَتِها. قال علىٌّ، رَضِىَ اللَّه عنه: إنَّما بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا، وأمْوالُهُم كَأمْوالِنا (٢). فمتَى عُلِمَ صاحِبُها قبلَ قَسْمِها، وجَبَ رَدُّها إليه، فإنْ عُلِم به (٣) بَعدَ القِسْمَةِ، فعلى الرِّوايتين؛ إحداهُما، لا حَقَّ له فيه. والثانِيةُ، هو له بثَمَنِه؛ لأنَّ أمْوالَهم مَعْصومَةٌ كأمْوالِ المسلمين. وأما فِداؤُهم، فظاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ، أنَّه يَجِبُ فداؤُهم، سواءٌ كانُوا فى مَعُونَتِنا أو لم يكونُوا. وهذا قولُ عمرَ بن عبد العزيز، واللَّيْثِ؛ لأنَّنا الْتَزمْنا حِفْظَهم، بمُعاهَدَتِهم، وأخْذِ جزْيَتِهم، فلَزِمَنا القتالُ مِن وَرائِهم، والقيامُ دُونَهم، فإذا عَجَزْنا عن ذلك، وأمْكَنَنَا تَخْليصُهم، لزِمَنا ذلك، كمَنْ يَحْرُمُ عليه إتْلافُ شىءٍ، فإذا أَتْلَفَه غَرِمَه. وقال القاضِى: إنَّما يجِبُ فِداؤُهم إذا استعانَ بهم الإِمامُ فى قتالِه فسُبُوا، وجَبَ عليه فِداؤُهم؛ لأنَّ أسْرَهُم كان لمَعْنًى من جِهَتِه. وهو المنصوصُ عن أحمدَ. ومتى وجَبَ فِداؤُهم، فإنَّه يُبْدَأُ بفداءِ المسلمين قَبْلَهم؛ لأنَّ حُرْمَةَ المسلم أعظمُ، والخَوْفَ عليه أشدُّ، وهو مُعَرَّضٌ لفِتْنَتِه عن دِينِ الحَقِّ، بخلافِ أهلِ الذِّمَّةِ.

فصل: ويَجِبُ فِداءُ أَسْرَى المُسْلِمينَ إذا أَمْكَنَ. وبهذا قال عمرُ بن عبد العزيز، ومالكٌ، وإسحاقُ. ويُرْوَى عن ابن الزُّبَيْرِ، أنَّه سألَ الحسنَ بن علىٍّ: عَلى مَنْ فَكاكُ الأَسِيرِ؟ قال: على الأَرضِ التى يُقاتِل عليها. وثَبَتَ أنَّ رسولَ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وعُودُوا الْمَرِيضَ، وفُكُّوا الْعَانِىَ" (٤). ورَوَى سعيدٌ (٥)، بإسْنادِه عن حِبَّان بن


(٢) تقدم، فى صفحة ٤٩. ولم نجده.
(٣) سقط من: م.
(٤) أخرجه البخارى، فى: باب فكاك الأسير، من كتاب الجهاد، وفى: باب قول اللَّه تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} وقوله. . .، من كتاب الأطعمة، وفى: باب وجوب عيادة المريض، من كتاب الطب. صحيح البخارى ٤/ ٨٣، ٧/ ٨٧، ١٥٠. والدارمى، فى: باب فى فكاك الأسير، من كتاب السير. سنن الدارمى ٢/ ٢٢٣. والإِمام أحمد، فى: المسند ٤/ ٣٩٤، ٤٠٦.
(٥) فى: باب ما جاء فى الفداء، من كتاب الجهاد. السنن ٢/ ٢٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>